منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

منتدى متولي إبراهيم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى متولي إبراهيم صالح

بحوث في الدين والسياسة


    آية السيف في القرآن على المعتدين جزاء عدوانهم لا على المسالمين لرفضهم اعتناق الإسلام

    متولي إبراهيم
    متولي إبراهيم
    رئيس الصفحة
    رئيس الصفحة


    المساهمات : 108
    تاريخ التسجيل : 05/10/2011

    آية السيف في القرآن على المعتدين جزاء عدوانهم لا على المسالمين لرفضهم اعتناق الإسلام  Empty آية السيف في القرآن على المعتدين جزاء عدوانهم لا على المسالمين لرفضهم اعتناق الإسلام

    مُساهمة من طرف متولي إبراهيم الأحد ديسمبر 11, 2011 3:16 am

    الباب الـعاشر : الحرية الدينية في الإسلام تم آخر تحرير في 11/12/2011
    آية السيف في القرآن على المعتدين جزاء عدوانهم لا على المسالمين لرفضهم اعتناق الإسلام .
    الفصل الأول : مناقشة دعوى تشريع سورة براءة للإكراه في الدين
    أولا ـ نص الآيات : بسورة براءة
    (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ * كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [09/التوبة 1ـ13])
    ثانيا ـ السياق اللغوي والحالي للآيات :
    أ ـ (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) ، أي عاهدتموهم ثم نكثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم وظاهروا عليكم غيركم
    ودليل التخصيص والحصر في الناكثين هو الاستثناء التالي بإلا لمشركين معاهدين وفوا بعهودهم والاستفهام التالي بكيف عن مشركين معاهدين يتظاهرون بإرضاء المؤمنين وتأبى قلوبهم لكنهم لم ينكثوا بعد فما هم بموفين ولا هم بناكثين كما سيأتي قريبا إن شاء الله .
    ب ـ (فَسِيحُوا) أيها الناقضون (فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، أي من كل عام كما في قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً) أي من كل عام (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) .
    فسيحوا في الأرض هذه الأشهر الأربعة الحرم من كل عام في أمن من المعاقبة على نقضكم العهد صيانة وتعظيما من الله ورسوله لحرمة هذه الأشهر الأربعة .
    وفاء لتقرير القرآن حرمتَها بقوله : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [02/البقرة217]) أي عن حكم القتال فيه قل القتال فيه كبير شنيع وقوله : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ) أي انكفافكم عن أعدائكم فيه بانكفافهم عنكم فيه وردكم على عدوانهم فيه بعدوانهم عليكم فيه لا بعدوانهم عليكم في غيره .
    ووفاء لتحريم القرآن استحلالَ الشهر الحرام بقوله : (لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ [05/المائدة2]) أي لا تستحلوا استكمال حربكم مع أعدائكم فيه ما لم يضطروكم إلى ذلك بعدوانهم عليكم فيه .
    وهذا كتقرير حرمة المسجد الحرام بقوله : (وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ [02/البقرة191])
    فكلما دخلت هذه الأشهر الحرم الأربعة من كل عام أمسكنا عن مقاتلتكم ، وكلما انصرمت استأنفنا ما كان بيننا وبينكم قبل دخولها من قتال ناشئ عن عدوانكم وغدركم . كما أنكم كلما دخلتم المسجد الحرام أمسكنا عن مقاتلتكم فيه ، وكلما غادرتموه استأنفنا ما كان بيننا وبينكم قبل دخولكم فيه من قتال ناشئ عن عدوانكم وغدركم .
    ج ـ (وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِين) .
    د ـ (و) يجب على المسلمين قبل بدء الناقضين عهدهم بالقتال إنذار لهم على سواء ، في أكثر الأيام اجتماع ناس وأشدها ذيوع خبر ، (أَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) أي الناقضين ، براءة ذمة من أي عهد معهم ، (وَرَسُولُهُ) بريء منهم .
    هـ ـ (فَإِن تُبْتُمْ) ، أي بدخول الإسلام بدليل اقتران التوبة بالصلاة والزكاة كما سيأتي (فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
    و ـ (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً) هؤلاء هم المستثنون من براءة الله ورسوله من عهد المشركين المعاهدين وقد استثنوا بسبب وفائهم فتكون البراءة من عهد الناقضين بسبب نقضهم لا بسبب الشرك .
    ز ـ (فَأَتِمُّواْ) التمام معناه البلوغ لا الكمال (01) أي فأبلغوا (إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) المتفق عليها بينكم وبينهم ما استقاموا لكم أي أبلغوها حدها إن كانت محددة أو أطلقوها بلا حد إن كانت مطلقة .
    فإن كانت المدة محدودة بحد كما في قوله تعالى : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [31/لقمان27]) فإلى هذا الحد احفظوا عهدكم معهم ما استقاموا لكم .
    وإن كانت المدة بلا نهاية كما في قوله تعالى (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً) أي للكافر بآيات الله يوم القيامة والكافر مخلد في النار أبدا فمد العذاب له مخلد أبدا بلا نهاية (02) فأبقوا على هذه المدة كما هي بلا نهاية ما استقاموا لكم (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين يتقون عار الغدر ونكثِ العهد .
    ح ـ (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ) أي الأربعة ، كلما انسلخت من كل عام (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) أي الناقضين (حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ) بالإسلام بدليل المعطوفيْن على التوبة بقوله تعالى (وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ) أي سواء قبل القتال أو خلاله (فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
    ط ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) أي المحاربين (اسْتَجَارَكَ) في أرضك في أمانك (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) .
    هذه استجابة قرآنية لحالة قد تقع فالمحاربون في جيش المشركين الناقضين ليسوا كلهم نقضوا وإنما كانوا في حكم الناقضين بطاعتهم لأمرائهم الناقضين وربما أطاعوهم واقتدوا بهم في الإعراض عن سماع كلام الله قبل النقض .
    فرحمة بهم فتح القرآن لعقلائهم بابا لمراجعة أنفسهم خلال المعركة إن أرادوا الاستيثاق لأنفسهم .
    ي ـ (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
    هذه الآية وفاء من الله لرسوله بوعده الذي قطعه له على نفسه بقوله له : (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [05/المائدة67])
    وفيها خمسة مباحث : في الاستثناء بإلا ، وفي أداة الاستفهام كيف ، وفي معنى الفعل يكون ، وفي لام تعريف المشركين ، وفي الاتصال أو الانفصال .
    1 ـ أما الاستثناء بإلا
    فقد نزل مطلع السورة بالبراءة من فريق نقض وبالوفاء لفريق ثان أوفى ، بينما كان أو ربما لم يكن لكن نشأ فيما بعد أو كان ثم تكاثر فيما بعد فريق ثالث ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، بل كما وصفهم الله للمؤمنين (إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) .
    ولا يظهر للمؤمنين من هذه الصفات في هؤلاء إلا صفة واحدة هي إرضاؤهم للمؤمنين بأفواههم وبالتالي فهم عندهم أوفياء فيما يظهر لهم فالسرائر لا يتولاها إلا الله .
    وانحصار الاستثناء في الذين عوهدوا عند المسجد الحرام شهادة لهم بانحصار الوفاء فيهم وهم قليل وشهادة على الأكثرين سواهم حول رسول الله صلعم بأنهم خطر عظيم محدق به وبالمؤمنين يستلزم منهم نبذ عهدهم إليهم على سواء والإعداد لهم ما يستطاع من قوة لا ليعتدوا به ولكن ليرهبوا به عدو الله وعدوهم ومن كانوا لا يعلمونهم ولم يعلموهم إلا بنزول هذه الآية وما بعدها .
    ومن أجل هذا كان إخبار الله نبيه بهذه الحقيقة وتحذيره للمؤمنين بإنزال هذه الآية وفاء منه تعالى لرسوله بوعده الذي قطعه له على نفسه بقوله له : (والله يعصمك من الناس) .
    2 ـ وأما أداة الاستفهام
    فأسلوب الاستفهام خبر مسبوق بأداة ويكون هذا الاستفهام على غير حقيقته إن كان في المقصودين به من يدعي هذا الخبر الذي بعد تلك الأداة أو يبدو كمن يدعي هذا الخبر ، فيكون الاستفهام استنكارا لهذه الدعوى ونفيا لها ، وهو هنا كذلك ، أي بمعنى لا (يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) بدليل (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) أي لا يكون ؛ لأنهم إن يظهروا عليكم لا يرقبوا ، فيكون استفهاما بمعنى النفي . ثم النفي هنا أيضا ليس على حقيقته بل هو بمعنى النهي ؛ فهو نهي في صيغة نفي والنفي بدوره في صيغة استفهام .
    فتكون حقيقة الاستفهام أمرا للمؤمنين بنبذ العهد مع هؤلاء شأنهم شأن من قيل فيهم : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء [08/الأنفال58]) (وَأَعِدُّواْ لَهُم [08/الأنفال60]) .
    3 ـ وأما عن الفعل يكون :
    فلا يتجه هنا أن يكون بمعنى ينشأ لأن المعنى حالئذ سيكون لا ينشأ أي لا يجوز أن ينشأ للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، وهو معنى يناقض أمر الله للمؤمنين بأن يجنحوا إلى إنشاء العهد مع المحاربين الكافرين بقوله : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [08/الأنفال61]) ولأن الله أمر نبيه بنبذ عهود من نقضوا لنقضهم لها لا لحرمة إنشائها ، ولأنه تعالى أمر المؤمنين بالوفاء بالعهود الناشئة لمن وفوا بها معهم من المشركين بقوله : (فأتموا إليهم عهدهم) ولو لم يكن إنشاؤها جائزا لما أمر المؤمنين باحترامها والوفاء بها ؛ ولأن الله لم يسبق منه قبل هذه الآية تحريم إنشاء العهود حتى ينكر على المؤمنين ويوبخهم على إنشائها ولأن تحريمها حل للعدوان على غير المؤمنين لمحض سبب عدم إيمانهم ، وهذا هو الإكراه في الدين الذي حرمه الله على نفسه وعلى المؤمنين ، فلا يبقى هنا إذن توجيه للفعل يكون إلا معنى الرعاية والحفظ والإبقاء فيكون المعنى لا يبقى للمشركين عهد عند الله وعند رسوله .
    4 ـ وأما لام المشركين هنا فللعهد والتعيين لا للاستغراق فهم مشركون معهودون معينون
    لأنهم لا يمكن أن يكونوا غير المعاهدين لأن قول كيف يبقى للمشركين عهد قول ناطق بأنهم معاهدون كما لا يمكن أن يكونوا المعاهدين الموفين لئلا يتناقض القول في الموفين (فأتموا إليهم عهدهم) مع معنى كيف يبقى للمشركين عهد .
    كما لا يمكن أن يكونوا الذين قيل فيهم : (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) لأن هؤلاء قيل فيهم ذلك بسبب نكثهم بينما أولئك لم ينكثوا بعد ، بدليل قول القرآن فيهم بعد : (وَإِن نَّكَثُواْ) فهذا القول أسلوب شرط بأداة ليست داخلة على فعلين أولهما فعل الكينونة (03) وهذا الشرط استقبال أي وإن نكثوا فيما بعد فهو يعني أنهم لم ينكثوا بعد ولو كانوا قد نكثوا لقيل (وإذ نكثوا) كما قيل : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) وقيل : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ) وقيل : (وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) وقيل : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم) وأمثاله في القرآن كثير كثير .
    كما لا يمكن أن يكونوا من استثناهم القرآن بقوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام لأنهم مستثنون منهم نصا بإلا استثناء متصلا يعني خروج المستثنى من المستثنى منه ؛ ولأنهم قيل فيهم : (فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ) وهذه شهادة لهم بالاستقامة حتى وقت نزول البراءة ، وتنزيه لهم عن النكث .
    هؤلاء المعهودون ليسوا بناكثين كما استبان آنفا وليسوا بموفين في الحقيقة لكم أيها المؤمنون ؛ لأنهم إنما (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ) أي يتظاهرون بالحرص على مسالمتكم ، وبالعناية بالأمان والبر بينهم وبينكم (وَ) لكن (تَأْبَى قُلُوبُهُمْ) التسليم بما أرضوكم عنه منهم بأفواههم (وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) أي عن الوفاء بالعهود (اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً)
    هؤلاء المعهودون إذن ليسوا بموفين ولا ناكثين فما هم ؟
    الجواب في القرآن : (أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) فهم معتدون على العهد بفسقهم عنه باكتفائهم بإرضاء المؤمنين بأفواههم مع إباء قلوبهم ، وباستعدادهم لنقض العهد وعدم رقابة إل في المؤمنين ولا ذمة لو ظهروا عليهم ، وبشرائهم ثمنا قليلا بآيات الله وصدهم عن سبيله ، بحرمان أنفسهم وحرمان غيرهم من شهود آيات الله المترتبة على الوفاء بالعهود .
    إن الله تعالى يقيم الحجة على الناس بما يشاء من آيات دالة عليه موصلة إليه ،
    ومن هذه الآيات أنه تعالى يعرض على الناس ـ حتى قبل إسلامهم له ـ تشريعات اجتماعية وآدابا سياسية ، إذا طبقوها أشاعت فيهم السلام الاجتماعي ، وجلبت عليهم الأمن السياسي والرخاء الاقتصادي ؛ فتكون هذه النتيجة دعوة إلى الهدى ودليلا لهم عليها ؛ إذ تكون دليلاً لهم على أن الذي نصحهم بما أدى إليها ليس بشرا يخطئ تارة ويصيب أخرى إنما هو الله الرءوف الرحيم الخبير الحكيم العليم .
    ومن هذه العروض آيات المواريث ، التي صيغت بخطاب يا أيها الناس لا بخطاب يا أيها الذي آمنوا .
    ومنها هنا أدب الوفاء بالعهود والأيمان والمواثيق ، وما يترتب عليه من أمن وسلم على المدى البعيد لكن هؤلاء المشركين يغفلون عن هذا الخير ويعرضون عنه ؛ لمنفعة آنية عاجلة ساذجة ، في لحظة يرون أنفسهم فيها أقوى من جيرانهم المعاهدين لهم ؛ فيفرحون بثمن قليل ربما غنموه من نقض العهد واجتياح أهله في لحظة زمنية لا تدوم ؛ فإن ضعفاء اليوم قد يقوون غداً وينتقمون فيخسر المعتدون الناكثون للعهد الفرحون سابقا بالغنيمة العاجلة القليلة أضعاف أضعاف ما ربحوه سابقا جراء نقضهم .
    وهذه ـ والله أعلم ـ دلالة السياق على المقصود هنا بقوله تعالى : (اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) لأنه أتبع هذه الآية بآية ، هي عطف بيان لمعنى الثمن القليل الذي اشتروه بآيات الله ، ألا وهي قوله تعالى : (لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) فآيات الله هنا هي ما يشيع من سلام اجتماعي وأمن سياسي ورخاء اقتصادي فيمن يوفون بالعهود والعقود ، والثمن القليل هو ما ينتهز على حين غرة بنقض العهد .
    لا استغراق إذن في لام المشركين هنا وإنما هم مشركون معهودون هم سائر المشركين المعاهدين بعد استثناء الناقضين والموفين ، والموفون هم المعاهدون عند المسجد الحرام دون غيرهم .
    5 ـ أما الاتصال أو الانفصال بين الآية (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) وما قبلها .
    فإن كانت هذه الآية متصلة بما قبلها فهو كمال اتصال وإلا فهو كمال انفصال كما يقول البلاغيون وعندي أنها كمال انفصال ؛ لأنها تتحدث عن حكم في ناكثي عهدهم مع المؤمنين بعد رسول الله مختلف بعضه عما سيق فيما سبقها من آيات في ناكثي عهدهم مع رسول الله صلعم ، فهي والله أعلم تخفيف ممن علم سبحانه أن سيكون في المؤمنين بعد رسوله ضعف .
    وهو تخفيف يناظر ما في قوله تعالى : (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [08/الأنفال66]) .
    ثالثا ـ الخلاصة
    أن المقول فيهم : (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) هم الذين نقضوا .
    وأن المقول فيهم : (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) هم الذين يرضون المؤمنين بأفواههم وتأبى قلوبهم ، هم الذين تظاهروا بالوفاء بأفواههم واعتدوا بقلوبهم أو لنقل نقضوا بقلوبهم ، وهم المقول فيهم : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء) والمقول فيهم : (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) لا لتعتدوا عليهم به ولكن (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) والمقول فيهم (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) .
    يواصل القرآن الحديث عن هؤلاء المعتدين أو الناقضين بقلوبهم فيقول : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) .
    وهنا لطيفة بخطاب أخف وطأة من الخطاب الذي قيل فيمن نقضوا بأفواههم وقلوبهم معا حيث قال هناك بلغة القالي : (فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) فلم يهتم بما وراء تخلية سبيلهم توبيخا لهم بينما قال هنا بلغة الحاني : (فإخوانكم في الدين) بما تعنيه الأخوة في الدين من حق لهم في النصرة والولاية والرعاية .
    وهذا التمايز في الخطاب مراعاة لمقتضى حال كل من الفريقين رغم أن كليهما تاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ؛ فإن عدوان من هنا أخف من عدوان من هناك .
    لأن من هنا كان أعقل ممن هناك ؛ فمن هنا ظلوا يردعهم عقلهم وعلمهم بأن المؤمنين هم الظاهرون وبأن وساوسهم في الظهور على المؤمنين سراب بقيعة إلى أن اهتدوا إلى الحق بلا عدوان منهم ولا كلفة على المؤمنين من إيجاف خيل ولا ركاب ردا على العدوان ، بينما لم يكن لمن هناك عقل يردعهم عن العدوان حتى أوجفت عليهم الخيل والركاب فسيموا عذاب عدوانهم وصلوا بنار ما أشعلوه من فتنة بنقضهم عهدهم فلم يسلموا إلا تحت بارقة السيف فهل يستويان مثلا ؟
    وأما قوله تعالى : (وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فالآيات الدلالات أي يعلمون دون غيرهم ما فصلنا من هذه الدلالات . ولعله والله أعلم لطيف إشارة إلى التفصيل الناشئ عن الفارق بين من وفوا بأفواههم وقلوبهم وبين من تظاهروا بالوفاء بأفواههم بينما هم معتدون أو ناقضون بقلوبهم .
    ويواصل القرآن الحديث عن هؤلاء المعتدين أو الناقضين بقلوبهم فيقول : (وإن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لعلهم ينتهون) .
    والسؤال هو عم ينتهون ؟ أعن النكث أم عن الكفر ؟
    والجواب : ينتهون عن السبب الذي من أجله أذن للمؤمنين بقتالهم وهو نكثهم أيمانهم المذكور في أسلوب شرط قتالهم ؛ إذ الأصل أن ما كان سببا في القتال هو الذي يزول القتال بزواله والقول بغير ذلك خروج عن الأصل بغير ما دليل صارف عنه إلى غيره .
    وقد كان الدليل الصارف عن الأصل متوفرا فيمن قيل فيهم : (فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) منصوصا عليه وهو : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) ولو أراد القرآن الخروج عن الأصل هنا لوفر دليله هنا كما وفره هناك بأن يقول مثلا فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لعلهم يتوبون ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة .
    فإن قيل : بل المعنى لعلهم ينتهون عن الكفر لأنه مذكور أقرب من النكث والأقرب أولى بتفسير متعلق الفعل ما لم يكن صارف عن هذا الأقرب إلى ذاك الأبعد ، قيل : هذه غفلة عن صوارف في قرآن الله المسطور في المصحف وقرآنه المنشور في الآفاق والأنفس بيانها كما يلي .
    أ ـ منها في قرآن الله المسطور في المصحف قوله تعالى هنا : (أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ؟ هذا استفهام استنكاري حقيقته التهييج والتحضيض والإغراء ، ولو كان القتال بسبب الكفر لذكره هنا فقال : (ألا تقاتلون قوماً نكثوا . . . وهموا . . . وكفروا) ؛ إذ الكفر أشنع من النكث ولا يقل شناعة عن الهم بإخراج الرسول فهو أولى من النكث بالإغراء بالمقاتلة عليه .
    وقد ذكر لفظ الانتهاء في سياق مماثل وكان متعينا أنه انتهاء عن النكث لا عن الكفر قال تعالى في كفار قريش المعتدين غير المعاهدين : (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ) ومتعلق الانتهاء لا بد أن يكون هو ذات متعلق العودة فالمعنى (إِن يَنتَهُواْ عنه . . . وإن يعودوا إليه) فصاحب الضمير في عنه لا بد أن يكون هو نفسه صاحب الضمير في إليه ولا يتجه ذلك إلا إذا كان المعنى إن ينتهوا عن العدوان يغفر لهم ما قد سلف منه وإن يعودوا إليه أي إلى العدوان فقد مضت سنة الأولين .
    فإن قيل إن المعنى (إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم وإن يعودوا إلى الكفر فقد مضت سنة الأولين) لم يكن ذلك من العربية في شيء لأن قول (وإن يعودوا إلى الكفر) يعنى أنهم قد خرجوا منه إذ لا عودة إلا بعد مغادرة فمتى غادروه وخرجوا منه حتى يقال (وإن يعودوا إليه) ؟ فإن قيل المعنى (إن ينتهوا عن الكفر يغفر لهم وإن ينتهوا عنه ثم يعودوا إليه فقد مضت سنة الأولين) قيل هذا على تقدير محذوف والأصل عدم الحذف إلا بقرينة ملزمة ولا قرينة ملزمة ، والتوجيه الذي لا يحتاج إلى تقدير محذوف أولى من التوجيه الذي يحتاج إلى تقدير محذوف .
    ولو أراد الله هذا المعنى لقال بلغة وجيزة بما قل ودل : (إن ينتهوا . . . فإن يعودوا) بفاء لا بواو فيكون عودا إلى الكفر بعد الانتهاء عنه أما بالواو فعود إلى الكفر ولم يقع انتهاء عنه أصلا وهذا تناقض يتنزه فصيح الكلام عنه فكيف بأفصح الكلام القرآن الكريم ؟! (04) .
    وأما قوله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [08/الأنفال39ـ40]) فالفتنة هنا الإكراه ، وقد تمثل في السورة في مقاتلة الكافرين المؤمنين على إيمانهم إرادة إكراهم على ترك الإيمان .
    وأما قوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ كله لِلّهِ) فالمعنى : ويكون الخضوع كله لأمر الله ، وأمر الله هو أنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) .
    فإن قيل بل إن الفتنة هنا هي الكفر صار المعنى وقاتلوهم حتى لا يكون كفر وهذا عين معنى الإكراه في الدين الذي حرمه الله على نفسه وعلى المؤمنين ، ولا يجوز القول بإنهاء حكم نص قرآني بحكم نص قرآني آخر إلا إذا تعذر الجمع بينهما ، لأن الجمع إعمال للنصين والإنهاء إبطال لأحدهما وإعمالهما معا أولى ، وقد أمكن الجمع بتفسير الفتنة بأنها الإكراه في الدين وبالتالي إعمال النصين بغير موانع إذ لا يمنع مانع بل ولا ينازع منازع في أن الإكراه في الدين فتنة ؛ فلا عذر إذن لقائل بالإنهاء الذي يسمونه نسخا .
    وقوله تعالى : (فَإِنِ انتَهَوْاْ) أي عن الفتنة التي هي الإكراه ، لأنه قال بعدها : (فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي يعلم إن كانوا صادقين في دعوى الانتهاء عن إكراه غيرهم ، أم كانوا يخادعون بالتظاهر بالانتهاء إلى حين تكفون عنهم ، ليعاودوا الإكراه من جديد في ظروف ضعفكم عن ردعهم .
    ولو كان المعنى : (فَإِنِ انتَهَوْاْ عن الكفر) ، لقيل بعدها (فَإِنِ انتَهَوْاْ فخلوا سبيلهم) كما قيل في إخوانهم المشركين الناقضين : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أو لقيل بعدها : (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) كما قيل في إخوانهم المشركين الموفين بأفواههم دون قلوبهم : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) .
    وقوله تعالي : (وَّإِن تَوَلَّوْاْ) ، أي عن الانتهاء عن الفتنة وأصروا على مواصلة العدوان عليكم لإكراهكم في الدين ، (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ) أي لستم وحدكم وأنتم منصورون عليهم لأن مولاكم (نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) .
    ولو كان المعنى (وإن تولوا عن الإيمان إلى الكفر) لقيل فإن الله شديد العقاب كما قيل : (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (05) وقيل : (وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
    ب ـ ومنها في قرآن الله المنشور في الآفاق والأنفس ما يلي :
    إن أي أمة قد يظلها زمان تكون فيه أضعف فتعتدي عليها أمة أخرى أقوى (06) وأي أمة ضعيفة لا خيار ولا بد لها من رد عدوان الأمة الأقوى إلى أن يتوقف العدوان أما ما وراء توقف العدوان من انتقام أو تأديب للأمة المعتدية الأقوى فهذا ما لا طاقة لأمة ضعيفة به فكيف إذا كان ما وراء رد العدوان هو إدخال الأمة المعتدية القوية قهرا في دين الأمة الضعيفة المعتدى عليها ؟! .
    إن العدوان من القوي وقود للمقاوم الضعيف المعتدى عليه ، ومقاومته نزيف في جسد القوي المعتدي أكثر كلفة له مما يتوخاه ويطمع فيه بعدوانه ، وبالتالي ستأتي لا محالة لحظة يتوقف فيها المعتدي القوي عن العدوان ويطلب من المقاوم الضعيف الكف عن المقاومة مقابل كفه عن العدوان ، وآيات الله المنشورة في الآفاق ناطقة بمصداق ذلك ، ومنه مقاومة الفيتناميين للأمريكيين والجزائريين للفرنسيين والأفغان للروس والفلسطينيين للإسرائيليين ، وكل الشعوب الضعيفة التى كانت مغتصَبة للمغتصبين [ مستعمرة للمستعمرين بتسمية المستعمرين التي لا زالت جارية على الألسن من كثرة تردادها في عهد الاغتصاب وشاب الشباب عليها جيلا إثر جيل وما هو باستعمار إنما هو نهب وسلب وتخريب ] إلخ .
    أما أن يقول المعتدي القوي للمقاوم المعتدى عليه الضعيف إني جانح للسلم فكف عن قتالي مقابل توقفي عن عدواني عليك فيرد الضعيف المعتدى عليه على ذلك المعتدي الجانح للسلم قائلا له لا أقبل جنوحك للسلم إلا إذا دخلت في ديني أو دفعت لي جزية فهذا ما لا يشهد له قرآن لا مسطور في مصحف ولا منشور في أفق أو نفس ولا طاقة به لمقاوم معتدى عليه .
    فلا طاقة للمؤمنين الضعفاء المعتدى عليهم إلا بمقاومة تكون على المعتدي القوي أكثر كلفة مما يتوخاه ويطمع فيه بعدوانه ، وبالتالي نزيفا ضاغطا عليه ، وصولا معه إلى لحظة يتوقف فيها عن العدوان ويطلب الكف عن القتال مقابل محض كفه عن العدوان .
    هذا ما يطيقه المقاومون الضعفاء ، وحمل الكلام على ما يطيقه المقاومون الضعفاء أولى من حمله على ما لا يطيقونه ؛ لأن حمله على ما لا يطيقونه اتهام لله بخلف وعده ، بأن لا يكلف نفسا إلا وسعها وألا يحمل المؤمنين ما لا طاقة لهم به .
    ونخلص إلى أن الله تعالى قد علم أن شوكة نبيه غالبة فحرم عليه العفو عن المشركين الناقضين عهدهم معه إلا إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة . وعلم أن هذه الغلبة لن تدوم بعد وفاة النبي ـ كما أثبت التاريخ ويثبت الواقع ـ ولو حرم عليهم العفو وهم ضعفاء ، عمن ينقضون عهدهم معهم من المشركين وهم أقوياء كما حرمه على رسوله أول مرة مطلع سورة براءة وهو قوي ، لكان ذلك تكليفاً بما لا يطاق ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ولا يحمل الله المؤمنين ما لا طاقة لهم به .
    من أجل ذلك خفف عنهم ، وأحل لهم لاحتمال ضعفهم ، ما حرم على رسوله لعلمه تعالى بانتفاء احتمال ضعفه فقال جلت حكمته : (فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) أي ينتهون عن العدوان لا عن الكفر وقال تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) والفتنة هنا الإكراه ، وقد تمثل في السورة في مقاتلة الكافرين المؤمنين على إيمانهم إرادة إكراهم على ترك الإيمان ، وقال تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ) أي يكون الخضوع لأمر الله ، وأمر الله هو (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) . ولو قلنا : (حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي حتى لا يكون كفر ، وقلنا : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ) أي تكون الملة ملة الإسلام ، لناقضنا قوله تعالى : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
    ولا يجوز القول بإنهاء حكم نص قرآني بحكم نص قرآني آخر إلا إذا تعذر الجمع بينهما ، لأن الجمع إعمال للنصين والإنهاء إبطال لأحدهما وإعمالهما معا أولى ، وقد أمكن الجمع بتفسير الفتنة بأنها الإكراه في الدين وبالتالي إعمال النصين بغير موانع ؛ إذ لا يمنع مانع بل ولا ينازع منازع في أن الإكراه في الدين فتنة فلا عذر إذن لقائل بالإنهاء الذي يسمونه نسخا .
    رابعا ـ تحرير مقال في الآيات .
    (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) .
    هذه البراءة ليس سببها الشرك ، وإنما نقضهم العهد .
    لقوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) ، ولقوله أيضاً قبل ذلك : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
    والمشركون منهم من بلغتهم الدعوة ومنهم من لم تبلغهم .
    ومن لم تبلغهم الدعوة منهم من اعتدوا ومنهم من لم يعتدوا .
    ومن بلغتهم الدعوة منهم من عاهدوا ومنهم من لم يعاهدوا .
    ومن بلغتهم الدعوة فلم يعاهدوا منهم من اعتدوا ومنهم من لم يعتدوا .
    ومن بلغتهم الدعوة فعاهدوا منهم من وفوا بعهدهم ومنهم من نقضوا .
    ومن نقضوا منهم من نقضوا مع النبي صلعم قبل التخفيف ومنهم من نقضوا مع المؤمنين بعد النبي صلعم أي بعد التخفيف .
    ومن وفوا منهم من كان وفاؤهم حقيقيا ومنهم من كان وفاؤهم ظاهريا باللسان دون القلب
    فهؤلاء فرق هي :
    1ـ مشركون اعتدوا قبل أن تبلغتهم الدعوة
    2 ـ مشركون لم يعاهدوا ولم يعتدوا سواء بلغتهم الدعوة أم لم تبلغهم.
    3 ـ مشركون عاهدوا فوفوا .
    4 ـ مشركون لم يعاهدوا واعتدوا .
    5 ـ مشركون عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع النبي صلعم قبل التخفيف .
    6 ـ مشركون عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع المؤمنين بعد النبي صلعم أي بعد التخفيف .
    7 ـ مشركون عاهدوا وكان وفاؤهم ظاهريا باللسان دون القلب ، يرضون المؤمنين بأفواههم وتأبى قلوبهم .
    1 ـ أما من اعتدوا قبل أن تبلغتهم الدعوة فحكمهم حكم كل معتد كما سيأتي
    2 ـ أما من لم يعاهدوا ولم يعتدوا ، ففيهم قوله تعالى : (وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [02/البقرة190]) (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) ، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99]) ، (مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45]) ، (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22]) ، (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً [18/الكهف29]) ، أي في الآخرة لا في الدنيا . . الخ سائر النصوص القرآنية ، التي تكفل حرية الفكر والعقيدة ، حتى حرية الإيمان بالكفر ، أو حرية الكفر بالإيمان .
    3 ـ وأما من عاهدوا فوفوا ففيهم ما فيمن لم يعاهدوا ولم يعتدوا ، وفيهم أيضا قوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ، وقوله : (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ولم يكن في حياة النبي من هؤلاء إلا الذين عاهدهم عند المسجد الحرام بدليل اختصاصهم بالاستثناء من كل الأوصاف الذميمة في الناقضين من المشركين المعاهدين في قوله تعالى : (إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) فكل المشركين الذين عاهدهم النبي صلعم عدا الذين عاهدهم عند المسجد الحرام كانوا جميعا بين ناقضين عهدهم معلنين نقضهم وبين مستخفين متظاهرين بإرضاء المؤمنين وتأبى قلوبهم .
    4 ـ وأما من لم يعاهدوا واعتدوا ، ففيهم قوله تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [02/البقرة190ـ192]) (07) * (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [02/البقرة193]) .
    وقد كان أول الأمر أمرا بالصفح والعفو والصبر على الأذى ثم كان الإذن في الدفاع حتى يكف المعتدون عن محض العدوان في قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [22/الحج39]) ثم كانت براءة والأمر فيها بقتل من نقضوا عهدهم مع النبي عقوبة على نقضهم وبعدم العفو عنهم حتى وإن تظاهروا بالكف عن العدوان إلا إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كما سيأتي .
    5 ـ وأما من عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع النبي صلعم ، فقد كان فيهم قوله تعالى : (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [09/التوبة5]) .
    6 ـ وأما من عاهدوا ثم نقضوا عهدهم بعد النبي صلعم أي بعد التخفيف ففيهم قوله تعالى : (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [09/التوبة12]) أي وإن لم يتوبوا ولم ينكثوا فعلى ما أنتم عليه أي (أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) .
    7 ـ وأما من لم ينقضوا ولم يوفوا يرضون المؤمنين بأفواههم وتأبى قلوبهم ففيهم قوله تعالى : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ) وقوله تعالى : (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) وقوله تعالى : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ * وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) أي لا لتعتدوا به عليهم وإنما (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) وقوله تعالى : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) وقوله تعالى : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    التعليقات الختامية
    (01) قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ولم يكن لله أزلا ولن يكون له أبدا كلمات ناقصات وإنما المعنى فأبلغهن مبلغهن . وقال تعالى : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ولم تكن الثلاثون ناقصة وإنما المعنى وأتممناها أربعين بزيادة عشر أي وأبلغناها أربعين بزيادة عشر فبلغ ميقات ربه أربعين . وقال تعالى : حكاية عن الرجل الصالح المساوم نبيه موسى في زواجه : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ) ولم تكن الثماني ناقصة ولو كانت ناقصة لما قال لموسى : (فَمِنْ عِندِكَ) وإنما المعنى فإن أبلغت الثماني عشرا بزيادة اثنين فمن عندك الزيادة . فيكون قوله تعالى : (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) معناه أبلغوا إليهم عهدهم إلى مدتهم . ثم التمام إن كان من عل إلى سفل فهو بمعنى النزول فيتعدى بعلى كما في قوله تعالى : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أي وأنزلت (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ) أي ونزلت (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي ينزل . وإذا لم يكن التمام من عل إلى سفل كان بمعنى البلوغ وإذا تعدى تعدى بإلى كما في قوله تعالى : (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) . وقد يتعدى بإلى بدلا من على كما في قوله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) لكنه لا يتعدى بعلى بدلا من إلى . ثم التمام يتعدى بإلى وعلى كما يتعدى البلوغ والوصول والنزول بينما لا يتعدى كذلك الكمال بل باللام كما في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ولو كان التمام هو الكمال لقال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ونعمتي ولما قال حشوا : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)
    (02) قال الطبري (قد اختلف أهل التأويل فقال بعضهم : صنفان من المشركين : الاَخر منهما كانت مدة عهده بغير أجل محدود) أي بأجل غير مسمى أي غير محدود .
    (03) أما الشرط الداخل على فعلين أولهما فعل الكينونة فإن كان ماضيا فهو للماضي نحو : (إِن كُنتُ قُلْتُهُ) أي في الماضي وإن كان حالا فهو للحال نحو : (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ) أي الآن .
    (04) ومما يوضح ذلك بيان في دلالات الفاء في آية المواريث في (فَإِن لَّمْ يَكُن) وفي (فَإِن كَانَ) كما يلي : إن كان معك الأول والثاني والثالث والرابع فأنتم خمسة ؛ فإن لم يكن معك الأول فأنتم أربعة ، فإن كان معك الخامس والسادس فأنتم ستة . المعنى : إن كان معك الأول والثاني والثالث والرابع فأنتم خمسة . فإن لم يكن معك الأول ، أي إن نقصت من المذكورين آنفا الأول ، أي فإن كان معك المذكورون آنفاً عدا الأول كنتم أربعة : هم : أنت والثاني والثالث والرابع . فإن كان معك الخامس والسادس ، أي فإن أضفت إلى المذكورين أخيراً الخامس والسادس ، أي إن كان معك الخامس والسادس إضافة إلى المذكورين أخيراً فأنتم ستة ، هم : الخامس والسادس وأنت والثاني والثالث والرابع . وبعبارة أخرى يصح أن يقال : (إن أسلم مشرك فتولوه ، فإن تفقه في الدين فاستفتوه) فيكون معنى ما بعد الفاء : (إن تفقه في الدين بعد إسلامه) لأن العطف بالفاء يقتضي الترتيب وعدم الترتيب معناه أنه يصح أن يقال (إن تفقه في الدين مشرك فاستفتوه ، فإن أسلم فتولوه) وهذا باطل ومن أجل ذلك لا يصح أن يقال : (إن أسلم مشرك فتولوه ، وإن تفقه في الدين فاستفتوه) ؛ إذ يصير معنى ما بعد الواو : (إن تفقه في الدين وهو باق على الشرك) لأن العطف بالواو يعني عدم الترتيب وهذا بدوره يعني أنه يصح أن يقال (إن تفقه في الدين مشرك فاستفتوه ، وإن أسلم مشرك فتولوه) وهذا باطل .
    (05) (البقرة 211)
    (06) وقد أظلهم بالفعل ولا يزال هذا الزمان وفي قول : (لَعَلَّهُمْ) إشارة لطيفة إلى ذلك تكشف ذلك من وراء حجب الغيب لأن لعل للترجي وما يترجى قد يقع وقد لا يقع مثلها مثل عسى ، وإن كانتا تتمايزان بأن لعل تكون فيما يكثر وقوعه بخلاف عسى التي تكون فيما لا يكثر وقوعه ، ولو شاء الله لقال إنهم منتهون فيكون ذلك وعدا منه سبحانه بالنصرة دائما .
    (07) المغفرة والرحمة للكافر تكونان في الدنيا دون الآخرة . أما المغفرة فتكون لما سلف من عدوان كما في قوله تعالى (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ [45/الجاثية14]) وأما الرحمة فتكون بركة للكافر في صحته وماله وأهله أو تهيئة ظروف كريمة قبل أن يهتدي تسهل عليه سبيل الهداية قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء107 وقال تعالى : (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام154} وقال : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) (يونس 21) وقال : (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 11:39 am