أهدي هذا المقال إلى السادة أعضاء اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور المصري المنادين بتضمين المادة الثانية أحكام الشريعة بدلا من مبادئها العامة وإني لمستعد لأن أمثل أمامهم في حضرة علماء متخصصين لأثبت للجميع بطلان أسانيد نسبت إلى نبي الإسلام ألفاظا باطلة وإلى ألفاظ القرآن معاني باطلة زرعت العداوة والبغضاء بين المسلمين وبين المسالمين من غير المسلمين ولا تزال وأججت بينهم الحروب ولا تزال وأنتجت جماعات التطرف وتنظيمات الترويع ولا تزال على خلاف خلق محمد العظيم وتعاليم القرآن السمحة .
تداركا للربيع السياسيِّ الثائر بربيع ثقافيِّ عاقل ، بالمذاكرة والمفاكرة والمحاورة والمناظرة ، بين طلابِ الحقيقة الحكماء المجادلين بالتي هي أحسن
هنا كلام خطير وصادم أراه حقا ، فمن انزعج منه فليعرضه على عالم متخصص ثقةٍ ؛ ليبين خطئي فأتوبَ منه وأقبِّلَ شاكرا يدَيْهِ وقدمَيْهِ وبين عيْنيْه
الإسلام والديمقراطية والعَلمانية والليبرالية والمدنية والدينية أتناقض أم توافق ؟ رؤية لأزهري
إنها مصطلحات متعددة المعاني ، قبولها مطلقا خطأ ورفضها مطلقا خطأ ، والصواب أن يقبل من معانيها ما كان حقا ويرفض ما كان باطلا :
لا يتناقض الإسلام مع الديمقراطية إن كانت تعني حق الشعب في أن يحكم نفسه بما يختار من قوانين ، دون إقصاء لأي خيار يختاره ومن خياراته حقه أو حق أغلبيته في أن تستلهم شريعة دينها في صياغة دستورها وقوانينها ، صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
كما لا يتناقض الإسلام مع العَلمانية إن كان هدفها التحررَ من سلطة رجال دين يزعمون لأنفسهم العصمة من الخطأ والتسليمَ لسلطة الشعب والحيادَ بين المتدينين وغير المتدينين وعدمَ معاداة أي متدين وعدمَ الانحياز إلى أي متدين ضد أي متدين ، أي عدم التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة وبين الناس في الحقوق الإنسانية ، ولم يكن هدفها إعاقة إرادة الأغلبية الشعبية في أن تستلهم شريعة دينها في صياغة دستورها وقوانينها صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد . وفي السياق نفسه لا يتناقض الإسلام مع إعلان رئيس الوزراء التركي أردوغان أنه مسلم بصفته الشخصية عَلماني بصفته رئيسا للوزراء ، إن كانت عَلمانيته بصفته رئيسا للوزراء لا تعوق حق الشعب التركي في أن يستلهم شريعة دينه في صياغة دستوره وقوانينه ، صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
كما لا يتناقض الإسلام مع الليبرالية ـ ومعناها في العربية مأخوذ من معنى الحرية ـ إن كانت لا تزدري هوية المجتمع ولا تنتهك نظامه العام ولا تتبنى حرية إشاعةِ الشذوذِ الجنسي وفواحش الزنا والسحاقِ وقومِ لوط في مجتمعنا .
إن كانت الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية كذلك فلا تناقض بينها وبين جوهر الإسلام ، وإنما التناقض بين فهم وممارسات الديمقراطيين والعَلمانيين والليبراليين الخارجين على جوهر هذه المعاني للديمقراطية والعَلمانية والليبرالية ، وبين فهم وممارسات الإسلاميين الجاهلين بجوهر الإسلام وبمعاني الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية عند القائلين بها في مصر ، بل إن كانت الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية كذلك فإن الإسلام ديمقراطي عَلماني ليبرالي ، قبل أن يعرف العرب ألفاظ الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية ، وقبل أن يمارس الديمقراطيون معنى الديمقراطية والعَلمانيون معنى العَلمانية والليبراليون معنى الليبرالية ، وبيان كل ذلك ما يلي :
أولا : الديمقراطية قيمة محايدة لا علاقة لها بكفر ولا بإيمان
1 ـ إنها أشبه بالقارورة يملؤها خمرا من يشاء ويملؤها عسلا من يشاء ، فالشعب الذي يحكم نفسه بما يختار وفقا للديمقراطية ويجعل اختياره قوانين يضعها على هواه هو كالذي يملأ القارورة خمرا ، والشعب الذي يحكم نفسه بما يختار وفقا للديمقراطية ويجعل اختياره قوانين شريعته التي يدين بها لخالقه هو كالذي يملأ القارورة عسلا .
2 ـ وآلة الديمقراطية صناديق اقتراع ، وهي بطبيعة الحال ستكون مع الأغلبية ، وستكون في مصر مع المسلمين لأنهم فيها أغلبية لا لأنهم مسلمون ، ولن تكون في فرنسا مع المسلمين ولكن لأنهم فيها أقلية لا لأنهم مسلمون ، وإن صار النصارى في مصر أغلبية صار لهم من الحق ما للأغلبية وصار من حقهم أن تحكم شريعتهم الأقلية المسلمة في الشأن العام ، بشرط عدم انتهاك مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
3 ـ وإذا كان النص القرآني (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [06/الأنعام57]) يجعل الله حاكما باعتبار أنه مُصدِر الحكم ، وكان النص القرآني (أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [04/النساء58]) يجعل الناس حكاما باعتبار أنهم المنفذون لحكم الله ، فكذلك قولنا (إن الحكم إلا للشعب) يجعل الشعب المسلم حاكما باعتبار أنه المختار لحكم الله والمنفذ له .
ثانيا : الديمقراطية تتوافق مع مبدأ الشورى القرآني (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى38])(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران159]) كما يلي :
إن الأمر بالشورى لا يتعلق بالأحكام المنصوص عليها ، فليس هو أمرا بالشورى في سارق أيقطع أم لا ، أو قاتل متعمد أيقتص منه أم لا بل هو يتعلق بما لا نص فيه من أمور اجتهادية بشرية في سياسة المجتمع . والاستشارة والمشار به ملزمان للحاكم إن كان المشيرون نوابا منتخبين من الشعب ؛ لأنه يحكم بما يختاره الشعب وبالتالي بما يختاره نوابه لا بما يختاره هو كما سيأتي ، وإن انقسمت آراء المشيرين فما يشير به أغلبيتهم أما النبي صلعم فالاستشارة ملزمة له لأنه مأمور بها ، وأما ما يشار به عليه فملزم له فيما لو أخطأ فاستشار فأشير عليه بصواب ، بخلاف ما لو أخطأ فاستشار فأشير عليه بخطأ أو صواب ثم رأى بعد المشورة صوابا أو أصوب بنفسه أو بالوحي الذي يصحح له دوما دون غيره ، فهو ليس كغيره صلعم .
ثالثا : الشعب له الحق في أن يُحكَم بما يختار من قوانين ، هذا هو الديمقراطية ، وهو الإسلام أيضا ، وكما يلي :
أ ـ نص القرآن (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[02/البقرة256]) وسائر نصوصه في معناه ، معناه أنه لا يجوز لأي أحد أن يكره أي أحد أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بشرعة دين ما ، فالنفي هنا مقصود به النهي ، والمنفي هنا عام لأنه نكرة في سياق النفي ، فهو إذن يشمل كل أحد ، والدين هنا مطلق فهو يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وفعل الجوارح معا ، هذا هو معنى الآية واضحا ، فلا يجوز إذن لملك أو سلطان أو أمير أو رئيس دولة أن يكره شعبه على أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بتشريعات دين ما .
وهذا معناه أن كل إنسان حر في كل ما يخصه ولا يحكمه إلا قانون يختاره لنفسه ، وأن كل جماعة أحرار في كل ما يشملهم ويخصهم يحكمهم قانون يختارونه لأنفسهم بالتراضي بينهم لا قانون يفرضه عليهم رئيس أو ملك أو أمير ، وهذا عين ما تعنيه الديمقراطية بإعلانها أن السلطة للشعب وأن الشعب هو السيد . ثم إن كان الشعب مسلما فإنه سوف يختار شريعة دينه ، فيصل الإسلام إلى الحكم بالديمقراطية ، فتكون الديمقراطية وسيلة بل وضمانة لحكم المسلمين لأنفسهم بشريعتهم لا معوقا لهم ، ويكون دليلَ مشروعيتها هو (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[البقرة256]) وسائرُ نصوص القرآن في معناه ، وهذا ما فعله النبي صلعم حين طلب من المؤمنين بيعته أميرا عليهم باستفتاء طوعي تحت الشجرة ، فالدخول في الدين كله استفتاء طوعي فيكون الدخول في بعضه وفيما يترتب عليه طوعيا كذلك ، ولو لم تكن بيعته صلعم استفتاء طوعيا بإرادتهم الحرة لكان طلبها تحصيل حاصل وهو عبث ولمَا طلبها صلعم بل لأمر بها كما أمر الله السماوات والأرض (اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت11]) ولو كان إتيانهما استفتاء طوعيا لقال لهما ألا تأتيان ؟
أمّا أنه لم يقع في عهده انتخاب فلأنه لم يكن في المؤمنين من يعتقد أن هناك من هو مثله صلعم ، بله أن يكون أصلح منه بأبي هو وأمي ولكن جاء الانتخاب بعد وفاة النبي صلعم للصديق رضعنه في سقيفة بني ساعدة ، ثم بعد وفاة الفاروق رضعنه بترشيح ستة اختار الناس أحدهم وحكم كل حاكم منهم بين الناس بالشريعة التي ارتضوها طوعيا قبل أن ينتخبوه ، وانتخبوه على شرط أن يحكم بينهم بها ، وهذا هو عين الديمقراطية .
ولا يفرض الإسلام تشريعا بالقوة إلا ما يفرض عقوبة دنيوية على مخالفته ، ولا يفرضه إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته عليه كما تبين آنفا ولا يفرضه على الأقلية حتى وإن اختارته الأغلبية إلا إذا تعلق بالشأن العام لما سيأتي ، وما يفرضه بالقوة غايته حماية حقوق العباد لا حق المعبود كغاية أي قانون في أي دولة في أي زمان أو مكان ، وهو عقوبات القتل والحرابة والجرح والسرقة والربا والقذف وفواحش الزنا والسحاق وقوم لوط .
ب ـ الشأن شأنان : خاص يخص كل مجموعة أو طائفة ، وعام يشترك فيه كافة المجموعات والطوائف التي يظلها سقف الوطن الواحد .
1 ـ فأن يبيع مسلمٌ لمسلمٍ أو يسرقه أو يقتله أو يتزوج مسلم بمسلمة أو يطلقها كلُّ ذلك شأن يخص المسلمين ، ويحق لهم الاحتكام فيه إلى شريعتهم دون حق لمن سواهم في الاعتراض عليهم ، وأن يبيع نصراني لنصراني أو يسرقه أو يقتله أو يتزوج نصراني بنصرانية أو يطلقها ، كلُّ ذلك شأن يخص النصارى ويحق لهم الاحتكام فيه إلى شريعتهم دون حق لمن سواهم في الاعتراض عليهم بنص القرآن (فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ [المائدة42]) أي فإن حكموك بينهم ، والمعنى من مفهوم المخالفة للشرط هو فإن لم يحكموك فلا تحكم .
2 ـ أما أن يبيع مسلم لنصراني أو يسرقه أو يقتله أو أن يبيع نصراني لمسلم أو يسرقه أو يقتله ، فكل ذلك شأن عام لا بد فيه من توحيد التشريع إعمالا للعدالة ، لأنه مثلا لو اختار المسلمون القتل عقوبة للقتل بينما اختار النصارى التوبيخ فقط عقوبة للقتل ، فإنه إن قتل مسلمٌ نصرانيا سيقتل بينما إن قتل نصرانيٌّ مسلما سيوُبَّخ فقط ، وهذا ظلم يعرض المسلمين للإبادة على يد النصارى دون رادع ؛ إذ التوبيخ ليس رادعا ، وهذا مثال غير واقع ، فالنصارى لا يوبخون القاتل فقط ؛ لكن قصدت به ضرب المثل واضحا لتوضيح الظلم الذي سيقع على إحدى الطائفتين لو ترك لكل طائفة تحديد عقوبة من يجني من أتباعها على آخر من أتباع طائفة أخرى .
3 ـ ففي الشأن العام إذن لا بد من توحيد العقوبات إعمالا للعدالة وصيانة لها ، فإما العقوبات المختارة من قبل الأقلية وإما العقوبات المختارة من قبل الأغلبية ، ثم الحَكَم في تحديد الطائفة صاحبة الحق في فرض العقوبة الموحَّدة هو الديمقراطية ، بدليل ما ذكرنا سابقا وما سنذكره لاحقا .
ج ـ ماذا لو فرضت الأغلبية في الشأن العام قانونا تراه الأقلية ظلما لها وإجحافا بحقها ؟
لنكن صرحاء ولنقل : ماذا لو أرادت الأغلبية المسلمة في مصر فرض الجزية المذكورة في القرآن الكريم على الأقلية النصرانية المسالمة ؟
الجواب على هذا ومثله هو مناقشة جدليات مصطلحات المدنية والدينية أو الدولة المدنية والدولة الدينية ، والكلام في كل ذلك كما يلي .
د ـ الدولة المدنية والدولة الدينية مصطلحان لا حقيقتان لغويتان ولا مشاحة في الاصطلاح
1 ـ والتناقض بين هذين المصطلحين يتمثل في عنصرين جوهريين يوجدان في إحدى هاتين الدولتين وينعدمان في الأخرى والعنصران هما :
ـ حرية الاعتقاد التي تعني حق كل أحد في اعتقاد ما يشاء وفي الدعوة إلى ما يعتقد وفي الردة عما يعتقد .
ـ والمساواة التي تعني عدم التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة وبين الناس في الحقوق الإنسانية .
2 ـ وإن وجد هذان العنصران في الدولة الدينية انعدم الفرق بين الدولتين ، وصار عبثا التنازع على المصطلحين .
3 ـ وهذان العنصران منعدمان كما سيأتي في الدولة اليهودية لاحتفال العهد القديم بالعنصرية وبمناهضة من ليس يهوديا وبدعوى أن اليهود شعب الله المختار وأنهم ليس عليهم فيمن سواهم سبيل ، ومنعدمان أيضا في الدولة النصرانية لأن شريعة النصارى هي شريعة اليهود شريعة العهد القديم ، ومنعدمان أيضا في الدولة الإسلامية الأموية وما تلاها من دول سواء السنية والشيعية .
4 ـ وما الفظائع اليهودية الموحية بقصة تاجر البندقية أمس ، ولا الفظائع اليهودية ضد الشعب الفلسطيني اليوم ، ولا فظائع محاكم التفتيش النصرانية في أوروبا أمس ، ولا فظائع الحجاج بن يوسف الثقفي السني أمس ، ولا فظائع عون إيران الشيعي وحزب الله الشيعي للنظام السوري الشيعي في سحق شعبه السني اليوم ، ما كل تلك الفظائع بخافية على أحد .
5 ـ أما الدولة الإسلامية المحمدية فمتأصل فيها هذان العنصران ، ولو تحررت كل من الشريعة الإسلامية السنية والشريعة الإسلامية الشيعية مما أصابها من تحريف لتوافقت كل منهما مع الأخرى ولتوافقتا كلتاهما معا مع الشريعة الإسلامية المحمدية ، حيث لا نص قرآني ولا حديث محمدي ينتهك حرية الاعتقاد ولا مبدأ المساواة كما سيأتي .
هـ ـ المدنية والدينية مصطلحان نختلف في تعريفيهما أو نتفق ؛ لكنهما فرع عن أصل
ومن الأصل سأنطلق ؛ لأن بالفرع إبهاما أو تعميما قد يجعل البعض يؤذن في واد غير الذي يؤذن فيه البعض الآخر ، فيصير الحوار حوار طرشان ، أو قد يجعل الأغلبية تتوهم أن الأقلية تريد أن تحرمها من استلهام قيم دينها في حياتها ، فلتكن دندنتنا حول الأصل .
1 ـ وفقا للديمقراطية يحق لكل طائفة اختيار قانون خاص ليحكم شأنها الخاص ، ووفقا للديمقراطية أيضا يحق للأغلبية اختيار قانون عام ليحكم الشأن العام ، بشرط ألا ينتهك حقوق الأقليات ، فلا ينتهك حرية الاعتقاد ومبدأ المساواة ، فلا يكره في الدين أحدا ، ولا يميز بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين أو اللغة أو اللون ، وبهذا يتحقق لكل أقلية حقها ، ولا فرق عندها حالئذ بين أن تكون الأغلبية قد ابتكرته من بنات أفكارها أو استلهمته من قيم دينها ، ولا يحق لها إذن أن تفرض على الأغلبية مرجعية ما ، ولا أن تمنعها من استلهام ما تختار من مرجعية .
2 ـ ومن هنا يحق للأغلبية المسلمة في مصر أن تنص في الدستور على أن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بل أن تنص فيه على أن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع بشرط ألا تنتهك حق المساواة وحرية الاعتقاد إن كان فيها ما هو كذلك .
3 ـ وهذا معناه أنه لا يجوز للأغلبية المسلمة أن تفرض جزية على الأقلية النصرانية المسالمة ، ولا أن تفرض عقوبة على من ارتد عن ملته ولا أن تمنع نصرانيا من الترشح في الانتخابات لأي منصب حتى مناصب الولاية العامة ، ولا أن تميز بين مسلم ونصراني فتقتل النصراني إن قتل مسلما بينما تمتنع عن قتل المسلم إن قتل نصرانيا . . . إلخ ، وكل هذا في الحقيقة لا يتناقض مع الإسلام الحقيقي ، كما تبين آنفا ، وكما سيتبين لاحقا .
و ـ أما جدلية الدين والسياسة أو رجال الدين ورجال السياسة فهي الوجه الآخر لجدلية المدنية والدينية
1 ـ وكلتاهما تفرعتا من نفس الأصل ، فلم يكن الاعتراض على أشخاص رجال الدين بل على ما يحكمون به ، ولم يكن الاعتراض على ما يحكمون به لأنه دين ؛ بل لأنه كان ينتهك مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ويفرق بين المواطنين بسبب الدين .
2 ـ ومن هنا يتبين أنه لا فرق بين أن يحكمنا ساسة ليسوا رجال دين أو أن يحكمنا ساسة هم رجال دين ، طالما أنهم لا يحكموننا بصفتهم رجال دين وطالما أن القانون الحاكم يلتزم بالمواصفات والشروط المتفق عليها . والحق عند التدبر أن الحاكم الفعلي في العصر الحديث هو القانون لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء .
3 ـ أما رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء فخادم للشعب يعمل أجيرا لديه مقابل أجر من جيوب دافعي الضرائب بوظيفة مدير للدولة ، فهو يحيل إلى مجلس النواب ليشرع وإلى القضاء ليحكم وإلى مجلس الوزراء لينفذ ، وهو في كل ذلك خادم للشعب محكوم به لا حاكم له ، فهو محكوم بمجموع الشعب حاكم لأفراده ، وحكمه للأفراد لا يكون إلا بعد التفويض من المجموع بالانتخاب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا : الديمقراطية تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ، وهذا هو الإسلام أيضا ، وكما يلي :
إنني أنا المسلمَ أفخر بهذا على أتباع ملل أخرى إخوة لي في الإنسانية ، لكن الأمانة العلمية تقتضيني أن أعترف أن بعض الموروث في أيدي إخوتي المسلمين اليوم غير عادل ويحسبه جمهورهم عادلا ؛ لأنهم يحسبونه من الإسلام ، وهذا هو سبب الأزمة بين مسلمين متدينين يمثلون التيار السياسي الإسلامي وبين مسلمين يشهدون أن محمدا رسول الله يمثلون مع آخرين التيار السياسي المدني وإلى هؤلاء جميعا يتوجه الكلام هنا كما يلي :
أ ـ إن كل ما يتحفظ عليه التيار السياسي المدني ويخشى بسببه من التيار السياسي الإسلامي ليس من الإسلام في شيء
إنه صنائع بني أمية والعباس السنة وأعدائهم الشيعة ، معان باطلة فسروا بها نصوص القرآن وأقاويل باطلة نسبوها كذبا إلى نبي الإسلام حولوا بها الإسلام من رسالة هداية وبشرى رحمة للعالمين إلى مشروع سيطرة وسيف سلطان سلطوه على رقاب الناس ليوسعوا ملكهم ، فاستحلوا الدم الحرام والمال الحرام غنائم وأسلابا باسم الإسلام ، والإسلام من كل ذلك براء ، ثم حذا حذوَهم مَن بعدَهم ولا يزالون حتى اليوم وهم لا يشعرون .
ب ـ إن القرآن يحترم حرية الاعتقاد ، ومن ذلك قوله : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22]) ( مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45]) ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99]) (مَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [18/الكهف29]) .
ج ـ إن القرآن ينهى عن التعرض بسوء للكافر المسالم ، ومن ذلك قوله : ( لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة8]) وقوله : ( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [09/التوبة4]) والمدة قد تكون مؤبدة كما في (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً [19/مريم79]) أي للكافر أي مدا مخلدا أبدا لا نهاية له .
د ـ إن القرآن ينهى عن التعرض بسوء للمرتد المسالم ، ومن ذلك قوله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً[النساء90]) وقوله : (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً[التوبة95]) فسياق كل من هاتين الآيتين حديث في منافقين كفروا بعد إيمانهم أي ارتدوا عن دينهم عن إسلامهم .
هـ ـ إن المساواة وحرية الاعتقاد لا يتناقض معهما أي نص قرآني ، ولا أي قول أو فعل للنبي صلعم أو لأبي بكر أو لعمر أو لعثمان أو لعلي
1 ـ فليس في القرآن آية سيف نسخت نصوص القرآن في السماحة الربانية والحرية الدينية ، ولا آية جزية مفروضة على المسالمين من أهل الكتاب بسبب رفضهم اعتناق الإسلام ، وما يدعى من ذلك كذب على القرآن أو فهم خاطئ من سلف زعموه وخلف قلدوهم فيه تقليدا أعمى بلا تبصر .
2 ـ فلو تدبر عارف بالعربية غيرُ مقلد غيرَه ما سماه البعض آية السيف ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ [09/التوبة5]) ولحظ سياقها التكامليّ ، السابقَ منه واللاحق ، القريبَ منه والبعيد ، الحاليَّ منه والمقاليّ ، لاكتشف أنها كذبة كبرى دعوى أنه ناسخ لسائر النصوص القرآنية في حرية التدين ، ولاكتشف أن المقصود بآية السيف هذه إنما هم الناقضون عهدهم المحاربون للمسلمين ، بسبب النقض والمحاربة لا بسبب الشرك .
3 ـ ولو تدبر عارف بالعربية غيرُ مقلد غيره آية الجزية (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[09/التوبة29]) ولحظ سياقها التكامليّ ، السابقَ منه واللاحق القريبَ منه والبعيد ، الحاليَّ منه والمقاليّ ، لاكتشف أنها كذبة كبرى دعوى أنها عقوبة لليهود والنصارى بسبب رفضهم اعتناق الإسلام ، ولاكتشف أن المقصود بآية الجزية هذه إنما هم الناقضون عهدهم المحاربون للمسلمين بسبب النقض والمحاربة لا بسبب رفض اعتناق دين الإسلام .
4 ـ ولو تدبر عارف بأصول علم الحديث النبوي الشريف رواية ودراية سندا ومتنا جرحا وتعديلا مصطلحا وشروط صحة غيرُ مقلد غيره لاكتشف أن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام لم يقل ( من بدل دينه فاقتلوه ) ولم يقل ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) ولم يقل (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) ولم يقل (كل مصر مصره المسلمون لا يبنى فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه بناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير ) ولم يقل ( لا يقتل مسلم بغير مسلم ) ولم يقل ( إن النساء ناقصات عقل ودين ) ولم يقل (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) إلى آخر تلك النصوص التي تنتهك المساواة وحرية الاعتقاد وتفرق بين المواطنين في حقوق المواطنة بسبب الدين والجنس ، وأن أيا من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لم يقل قولا ولم يفعل فعلا يتناقض مع مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ، وأن عمر بريء من الوثيقة المفتراة عليه المسماة بالعهدة أو الوثيقة العمرية ، وأنما هم بنو أمية والعباس صاغوا أباطيل تخدم أهواءهم العنصرية وجعلوها إسلاما والإسلام منها براء ثم ورثها بعدُ مَن بعدهم .
5 ـ يا علماء الإسلام نزهوا شريعة الإسلام مما دس فيها ، فإنكم إن فعلتم فلن يحتكم مسلم إلا إليها ، ولن يفضل منصف غير مسلم أي قانون عليها ؛ لأنها الباقي المصون دون ما سواه من عند الخالق الأعلم بما يصلح المخلوقين . نزهوها بحسن الفهم عن الله ، وحسن التثبت مما ينسب إلى رسول الله ، وبالتحرر من التقليد الأعمى لمن سبق ، وإن يكن سيبويه في النحو أو الشافعي في الفقه أو البخاري في التصحيح والتضعيف ؛ فلا أحد بعد النبي صلعم معصوم؛ بل كل يخطئ ويصيب يؤخذ منه ويرد . أستدرك فأنزه من بني أمية الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه .
هـ ـ أما قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [05/المائدة44]) (الظَّالِمُونَ [05/المائدة45]) (الْفَاسِقُونَ[المائدة47]) فمقصود به غير المضطرين ، وبناء عليه لا يجوز لمسلم أن يقبل منصب الوَلاية إن كانت بشرط أن يحكم بغير ما أنزل الله ؛ لأنه إن وفى بهذا الشرط كفر بربه ، وإن نقضه بطلت وَلايته ، وإن استخدم القوة في تنفيذ حكمه عصى أمرَ ربه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[02/البقرة256]) وسائرَ أوامره في معناه .
أما إن كان في بلد أهلُه مغلوبون على أمرهم سواءٌ أكانوا مسلمين أو غيرَ مسلمين وبدا له أنه إن رفض قبول منصب الوَلاية قام به آخر ظالم يخشى على الناس ظلمه ، فهو مضطر حالئذ إلى قبول هذا المنصب ، حتى وإن شُرط عليه الحكم بغير ما أنزل الله ، إن كان حكمه سيدفع هذا الظلم حتى وإن سبب ظلما آخر أخف منه ؛ لأن الله قد أحل إظهار الكفر به باللسان والجوارح معا اضطرارا ، فيحل له تبعا وربما من باب أولى الحكم بغير ما أنزل الله اضطرارا ؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بأشنع من إظهار الكفر به باللسان والجوارح معا ، أما الاضطرار لأجل المسلمين فمفهوم وأما لأجل غيرهم فلأن القرآن قد أحل للمسلم فداءَ المظلوم غير المسلم بنفسه ، بقوله (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء75]) فاللفظ هنا عام يشمل كل مستضعف مسلما كان أو غير مسلم ، والعبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وإذ أحل القرآن للمسلم إظهار الكفر فداء لنفسه وأحل له بذل نفسه فداء للمظلوم غير المسلم فقد أحل له تبعا إظهار الكفر فداء لهذا المظلوم غير المسلم وأحل له أيضا وربما من باب أولى فداءه بالحكم بغير ما أنزل الله ؛ لأن ما يقدم فداء للنفس يقدم بالتالي فداء لما تبذل في فدائه النفس ولأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بأبشع من إظهار الكفر .
و ـ أما العهدُ القديم شريعة إخوتنا اليهود وإخوتنا النصارى فحافل بالعنصرية وبالإكراه في الدين :
نعم وبمناهضة من ليس يهوديا ، وبدعوى أن اليهود شعب الله المختار ، وأنهم ليس عليهم فيمن سواهم سبيل ، وحافلتان بنصوص مرعبة كثيرة شديدة في الإكراه في الدين ، وفي إقصاء الآخرين واستئصالهم ، وفي الإبادة الجماعية حتى للنساء والأطفال والبهائم ، وفي العقاب الجماعي للأبرياء حتى للجيل العاشر من الأحفاد بسبب ما نقموه من أجدادهم في الجيل الأول ، ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي :
ففي {سفر التثنية 13 (6 - 11)} : ( إذا أغواك أخوك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك قائلا نذهب ونعبد آلهة أخرى فلا تسمع له ، بل قتلا تقتله ، ترجمه بالحجارة حتى يموت ، فيسمع [بنو] إسرائيل ويخافون ولا يعملون مثل هذا الأمر الشرير ) .
وفي {التثنية 13(12- 16)} : ( إن خرج أناس وطوحوا سكان المدينة قائلين نذهب ونعبد آلهة أخرى فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها [أي تقتلها] بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف ، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعدُ) .
وفي {التثنية 2 ( 33 - 34)} : (فخرج سيحون للقائنا للحرب فضربناه وحرَّمنا [أي قتلنا] الرجال والنساء والأطفال) .
وفي {التثنيـة 3 ( 1 ، 6)} : ( فخرج عوج ملك باشان للقائنا للحرب فحرَّمناها [أي قتلناها] محرِّمين [أي قاتلين] الرجال والنساء والأطفال) .
وفي {التثنية 23(3 - 5)} : (لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب حتى الجيل العاشر ؛ من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر ؛ ولأنهم استأجروا عليكم بلعام بن بعور لكي يلعنك ولكن لم يشأ الرب أن يسمع لبلعام ) .
وفي {إرميا 48 (10)} : (ملعون من يمنع سيفه عن الدم) .
وفي {حزقيال 9 (5 - 6)} : ( لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك واملأوا الدور قتلى ) .
وفي {التثنيـة 23 (19)} : ( لا تقرض أخاك بربا . للأجنبي تقرض بربا ، ولكن لأخيك لا تقرض بربا ) .
خامسا : التحرر من سلطة رجال دين يزعمون العصمة ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
لقد نشأ القول بتنحية رجال الدين عن السياسة في أوربا إبان محاكم تفتيش نصرانية بلغ جورها حد إلزام المشكوك في دينهم بترك بيوتهم مفتوحة على الدوام ليل نهار ؛ لضمان مفاجأتهم بالتفتيش واكتشاف أدلة ردتهم عن الدين لمعاقبتهم ، وكان قولا مفهوما بل ومشروعا ؛ لأن كل أحكام رجال الدين هؤلاء كانت جائرة ، ولو كان بعضها عادلا لرحب الناس به وبدمجه في حياتهم ولاكتفوا بتنحية ما هو جائر منها ، ولو كانت كل أحكامهم عادلة لصارت تنحية الدين عن سياسة شعب متدين جَوْرا وإكراها في الدين وتنحية للعدالة نفسها ، وإذ أحكام الإسلام عادلة ، فإن تنحيته عن سياسة مسلمين متدينين في مصر لأنفسهم تنحية للعدالة نفسها ، وجور وإكراه في الدين لا يرضاه الإسلام الذي لا يرضى بإكراه غير المسلمين في الدين .
أما الحرية الجنسية فإن المجتمع المؤمن يراها فاحشة ومقتا وسبيلا سيئة ، ويريد صيانة نفسه من المخاطر المودِية إليها ، مخاطر إعلانها لأن إعلانها إغواء يفتن الناس ، ويُفقد أكثرهم قدرتهم على ضبط أنفسهم ويسلبهم إرادتهم ، لا سيما الفتيان والفتيات المؤمنين والمؤمنات ، وسلب الإرادة جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة الإكراه المعاقبِ عليها في كل قوانين الدنيا . نعم إعلانها حرية شخصية ؛ لكنه عدوان على حق الآخرين .
سادسا : عدم معاداة أي دين بمعنى عدم معاداة أهله المسالمين ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
والدليل عليه نفس دليل مراعاة الإسلام لمبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
سابعا : عدم الانحياز إلى أي متدين ضد أي متدين آخر ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
وعدم الانحياز إلى أي دين ضد أي دين لا يعنون به عدمَ الشهادة للدين الحق أنه الحق وعلى الدين الباطل أنه باطل بل يعنون به عدمَ التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة ، وبين الناس في الحقوق الإنسانية ، أما الشهادة للدين الحق أنه الحق وعلى الدين الباطل أنه باطل فهي حق إنساني بل واجب أخلاقي على كل إنسان نحوَ كل أخ له في الإنسانية ، فأنا مؤمن بأن الإسلام هو الحق وأن ما سواه من الملل باطل ومسلم أحب الخير للناس جميعا مسلمين وغيرَ مسلمين كما أحبه لنفسي ، وحبي للمسلمين يجعلني أبين لهم حقائق الإسلام ؛ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وحبي للخير لغير المسلمين يجعلني أدعوهم إلى حقائق الإسلام وأحذرهم من أباطيل ما هم عليه ، نصحا لهم وخوفا عليهم من نار يوم القيامة ، وإني لمُقبِّلٌ يَدَيْ وقدَمَيْ وبين عَيْنَيْ كلِّ أخ لي ـ مسلمٍ أو غير مسلم ـ يرى ما هو عليه حقا وما أنا عليه باطلا ، ويحب الخير لي كما يحبه لنفسه ، ويدفعه حبه للخير لي إلي أن يدعوَني إلى ما يعتقد أنه حق هو عليه ، ويحذرَني مما يعتقد أنه باطل أنا عليه ، نصحا منه لي وخوفا عليَّ من نار يوم القيامة ، أنا الإنسانَ ، أخاه في الإنسانية .
ثامنا : لماذا يطبق أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا علمانية تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض ؟
إنه اجتهاد إسلامي من أردوغان ومن معه أراه سديدا . إنهم يؤمنون بالكتاب كله وهذا معنى قوله إنني عَلماني بصفتي الوظيفية لا بصفتي الشخصية ؛ لكنهم يعلمون أن ظروفهم غير مواتية لتطبيق شريعة الإسلام كلها ، إما لطغيان العسكريين الأتراك ، وإما مراعاة لالتصاق أباطيل بالإسلام ليست منه ، جعلته عاجزا حضاريا أمام الناس ومحاربا من العالم المتحضر بينما علماؤه عاجزون عن تحريره من هذه الأباطيل ، وإما للسببين معا وفي هذه الظروف يرون أنهم إن أصروا على كل شيء فقدوا كل شيء ، وقد فقهوا من دينهم الحنيف أن إظهار الكفر بالإسلام كله بالجوارح واللسان اضطرارا لا يضر بإيمان المطمئن قلبه بالإيمان ، وأنه إذا جاز الكفر بالإسلام كله بالجوارح واللسان اضطرارا جاز بالتالي ومن باب أولى الكفر ببعضه فهم إذن أفقه من علماء في مصر يقولون علنا صراحة : إننا نؤمن بتطبيق حد الردة عن ملة الإسلام ؛ لكن الظروف غير مواتية لتطبيقه الآن وسنعمل على تهيئتها وحين تتهيأ سنطبقه ، فمثلهم كمثل مستضعف وُضِع السيف على عنقه وأمِر بالكفر ، فقال لواضع السيف على عنقه إني أكفر بجوارحي ولساني لأنك تضطرني بسيفك إلى الكفر ؛ ولكني سأنتقم منك حين تتهيأ ظروف قدرتي على إظهار إيماني ! فوا فقهاه ! وا ضيعة عقلاه ! وا ذهول فؤاداه ! .
زاده تحريرا في24ـ9ـ 2013 بالقاهرة حائزا لبراهينه مفصلة لمن يطلبها على منتداه www .al7k .forumegypt .net متولي إبراهيم صالح هاتف 01227972399 أزهري حصل من جامعة الأزهر على ليسانس الشريعة والقانون وليسانس اللغة العربية وبكالوريوس الهندسة ودرس علوم القرآن الكريم والقراءات القرآنية في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتتلمذ في علوم الحديث النبوي الشريف على يدي شيخ السلفيين في العالم كله اليومَ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ، ولا يقلد أحدا بعد رسول الله صلعم بلا دليل لا سيبويهِ في النحو ، ولا الشافعيَّ في الفقه ، ولا البخاريَّ في التصحيح أو التضعيف ، ولا يعبد من دون الله آلهة أخرى ، لا التوثيق المطلق بالسبر الجزئي بلا دليل ، ولا عنعنات بعض المدلسين في كل الكتب بلا دليل ، ولا عنعنات كل المدلسين في بعض الكتب بلا دليل ، تلك الآلهة التي من خلالها ألصق بالإسلام ما ليس منه ، فانصد الناس ولا يزالون حتى اليومِ منصدين عنه مرعوبين منه ولكن أكثر علمائنا لا يشعرون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
نشر في اليوم السابع الورقية والإلكترونية في 27 ، 28/2012 بعنوان الشيخ متولي إيراهيم صالح يكتب
تداركا للربيع السياسيِّ الثائر بربيع ثقافيِّ عاقل ، بالمذاكرة والمفاكرة والمحاورة والمناظرة ، بين طلابِ الحقيقة الحكماء المجادلين بالتي هي أحسن
هنا كلام خطير وصادم أراه حقا ، فمن انزعج منه فليعرضه على عالم متخصص ثقةٍ ؛ ليبين خطئي فأتوبَ منه وأقبِّلَ شاكرا يدَيْهِ وقدمَيْهِ وبين عيْنيْه
الإسلام والديمقراطية والعَلمانية والليبرالية والمدنية والدينية أتناقض أم توافق ؟ رؤية لأزهري
إنها مصطلحات متعددة المعاني ، قبولها مطلقا خطأ ورفضها مطلقا خطأ ، والصواب أن يقبل من معانيها ما كان حقا ويرفض ما كان باطلا :
لا يتناقض الإسلام مع الديمقراطية إن كانت تعني حق الشعب في أن يحكم نفسه بما يختار من قوانين ، دون إقصاء لأي خيار يختاره ومن خياراته حقه أو حق أغلبيته في أن تستلهم شريعة دينها في صياغة دستورها وقوانينها ، صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
كما لا يتناقض الإسلام مع العَلمانية إن كان هدفها التحررَ من سلطة رجال دين يزعمون لأنفسهم العصمة من الخطأ والتسليمَ لسلطة الشعب والحيادَ بين المتدينين وغير المتدينين وعدمَ معاداة أي متدين وعدمَ الانحياز إلى أي متدين ضد أي متدين ، أي عدم التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة وبين الناس في الحقوق الإنسانية ، ولم يكن هدفها إعاقة إرادة الأغلبية الشعبية في أن تستلهم شريعة دينها في صياغة دستورها وقوانينها صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد . وفي السياق نفسه لا يتناقض الإسلام مع إعلان رئيس الوزراء التركي أردوغان أنه مسلم بصفته الشخصية عَلماني بصفته رئيسا للوزراء ، إن كانت عَلمانيته بصفته رئيسا للوزراء لا تعوق حق الشعب التركي في أن يستلهم شريعة دينه في صياغة دستوره وقوانينه ، صياغة تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
كما لا يتناقض الإسلام مع الليبرالية ـ ومعناها في العربية مأخوذ من معنى الحرية ـ إن كانت لا تزدري هوية المجتمع ولا تنتهك نظامه العام ولا تتبنى حرية إشاعةِ الشذوذِ الجنسي وفواحش الزنا والسحاقِ وقومِ لوط في مجتمعنا .
إن كانت الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية كذلك فلا تناقض بينها وبين جوهر الإسلام ، وإنما التناقض بين فهم وممارسات الديمقراطيين والعَلمانيين والليبراليين الخارجين على جوهر هذه المعاني للديمقراطية والعَلمانية والليبرالية ، وبين فهم وممارسات الإسلاميين الجاهلين بجوهر الإسلام وبمعاني الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية عند القائلين بها في مصر ، بل إن كانت الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية كذلك فإن الإسلام ديمقراطي عَلماني ليبرالي ، قبل أن يعرف العرب ألفاظ الديمقراطية والعَلمانية والليبرالية ، وقبل أن يمارس الديمقراطيون معنى الديمقراطية والعَلمانيون معنى العَلمانية والليبراليون معنى الليبرالية ، وبيان كل ذلك ما يلي :
أولا : الديمقراطية قيمة محايدة لا علاقة لها بكفر ولا بإيمان
1 ـ إنها أشبه بالقارورة يملؤها خمرا من يشاء ويملؤها عسلا من يشاء ، فالشعب الذي يحكم نفسه بما يختار وفقا للديمقراطية ويجعل اختياره قوانين يضعها على هواه هو كالذي يملأ القارورة خمرا ، والشعب الذي يحكم نفسه بما يختار وفقا للديمقراطية ويجعل اختياره قوانين شريعته التي يدين بها لخالقه هو كالذي يملأ القارورة عسلا .
2 ـ وآلة الديمقراطية صناديق اقتراع ، وهي بطبيعة الحال ستكون مع الأغلبية ، وستكون في مصر مع المسلمين لأنهم فيها أغلبية لا لأنهم مسلمون ، ولن تكون في فرنسا مع المسلمين ولكن لأنهم فيها أقلية لا لأنهم مسلمون ، وإن صار النصارى في مصر أغلبية صار لهم من الحق ما للأغلبية وصار من حقهم أن تحكم شريعتهم الأقلية المسلمة في الشأن العام ، بشرط عدم انتهاك مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
3 ـ وإذا كان النص القرآني (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [06/الأنعام57]) يجعل الله حاكما باعتبار أنه مُصدِر الحكم ، وكان النص القرآني (أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ [04/النساء58]) يجعل الناس حكاما باعتبار أنهم المنفذون لحكم الله ، فكذلك قولنا (إن الحكم إلا للشعب) يجعل الشعب المسلم حاكما باعتبار أنه المختار لحكم الله والمنفذ له .
ثانيا : الديمقراطية تتوافق مع مبدأ الشورى القرآني (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى38])(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران159]) كما يلي :
إن الأمر بالشورى لا يتعلق بالأحكام المنصوص عليها ، فليس هو أمرا بالشورى في سارق أيقطع أم لا ، أو قاتل متعمد أيقتص منه أم لا بل هو يتعلق بما لا نص فيه من أمور اجتهادية بشرية في سياسة المجتمع . والاستشارة والمشار به ملزمان للحاكم إن كان المشيرون نوابا منتخبين من الشعب ؛ لأنه يحكم بما يختاره الشعب وبالتالي بما يختاره نوابه لا بما يختاره هو كما سيأتي ، وإن انقسمت آراء المشيرين فما يشير به أغلبيتهم أما النبي صلعم فالاستشارة ملزمة له لأنه مأمور بها ، وأما ما يشار به عليه فملزم له فيما لو أخطأ فاستشار فأشير عليه بصواب ، بخلاف ما لو أخطأ فاستشار فأشير عليه بخطأ أو صواب ثم رأى بعد المشورة صوابا أو أصوب بنفسه أو بالوحي الذي يصحح له دوما دون غيره ، فهو ليس كغيره صلعم .
ثالثا : الشعب له الحق في أن يُحكَم بما يختار من قوانين ، هذا هو الديمقراطية ، وهو الإسلام أيضا ، وكما يلي :
أ ـ نص القرآن (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[02/البقرة256]) وسائر نصوصه في معناه ، معناه أنه لا يجوز لأي أحد أن يكره أي أحد أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بشرعة دين ما ، فالنفي هنا مقصود به النهي ، والمنفي هنا عام لأنه نكرة في سياق النفي ، فهو إذن يشمل كل أحد ، والدين هنا مطلق فهو يشمل اعتقاد القلب وقول اللسان وفعل الجوارح معا ، هذا هو معنى الآية واضحا ، فلا يجوز إذن لملك أو سلطان أو أمير أو رئيس دولة أن يكره شعبه على أن يعتنق دينا ما أو أن يلتزم بتشريعات دين ما .
وهذا معناه أن كل إنسان حر في كل ما يخصه ولا يحكمه إلا قانون يختاره لنفسه ، وأن كل جماعة أحرار في كل ما يشملهم ويخصهم يحكمهم قانون يختارونه لأنفسهم بالتراضي بينهم لا قانون يفرضه عليهم رئيس أو ملك أو أمير ، وهذا عين ما تعنيه الديمقراطية بإعلانها أن السلطة للشعب وأن الشعب هو السيد . ثم إن كان الشعب مسلما فإنه سوف يختار شريعة دينه ، فيصل الإسلام إلى الحكم بالديمقراطية ، فتكون الديمقراطية وسيلة بل وضمانة لحكم المسلمين لأنفسهم بشريعتهم لا معوقا لهم ، ويكون دليلَ مشروعيتها هو (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[البقرة256]) وسائرُ نصوص القرآن في معناه ، وهذا ما فعله النبي صلعم حين طلب من المؤمنين بيعته أميرا عليهم باستفتاء طوعي تحت الشجرة ، فالدخول في الدين كله استفتاء طوعي فيكون الدخول في بعضه وفيما يترتب عليه طوعيا كذلك ، ولو لم تكن بيعته صلعم استفتاء طوعيا بإرادتهم الحرة لكان طلبها تحصيل حاصل وهو عبث ولمَا طلبها صلعم بل لأمر بها كما أمر الله السماوات والأرض (اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت11]) ولو كان إتيانهما استفتاء طوعيا لقال لهما ألا تأتيان ؟
أمّا أنه لم يقع في عهده انتخاب فلأنه لم يكن في المؤمنين من يعتقد أن هناك من هو مثله صلعم ، بله أن يكون أصلح منه بأبي هو وأمي ولكن جاء الانتخاب بعد وفاة النبي صلعم للصديق رضعنه في سقيفة بني ساعدة ، ثم بعد وفاة الفاروق رضعنه بترشيح ستة اختار الناس أحدهم وحكم كل حاكم منهم بين الناس بالشريعة التي ارتضوها طوعيا قبل أن ينتخبوه ، وانتخبوه على شرط أن يحكم بينهم بها ، وهذا هو عين الديمقراطية .
ولا يفرض الإسلام تشريعا بالقوة إلا ما يفرض عقوبة دنيوية على مخالفته ، ولا يفرضه إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته عليه كما تبين آنفا ولا يفرضه على الأقلية حتى وإن اختارته الأغلبية إلا إذا تعلق بالشأن العام لما سيأتي ، وما يفرضه بالقوة غايته حماية حقوق العباد لا حق المعبود كغاية أي قانون في أي دولة في أي زمان أو مكان ، وهو عقوبات القتل والحرابة والجرح والسرقة والربا والقذف وفواحش الزنا والسحاق وقوم لوط .
ب ـ الشأن شأنان : خاص يخص كل مجموعة أو طائفة ، وعام يشترك فيه كافة المجموعات والطوائف التي يظلها سقف الوطن الواحد .
1 ـ فأن يبيع مسلمٌ لمسلمٍ أو يسرقه أو يقتله أو يتزوج مسلم بمسلمة أو يطلقها كلُّ ذلك شأن يخص المسلمين ، ويحق لهم الاحتكام فيه إلى شريعتهم دون حق لمن سواهم في الاعتراض عليهم ، وأن يبيع نصراني لنصراني أو يسرقه أو يقتله أو يتزوج نصراني بنصرانية أو يطلقها ، كلُّ ذلك شأن يخص النصارى ويحق لهم الاحتكام فيه إلى شريعتهم دون حق لمن سواهم في الاعتراض عليهم بنص القرآن (فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ [المائدة42]) أي فإن حكموك بينهم ، والمعنى من مفهوم المخالفة للشرط هو فإن لم يحكموك فلا تحكم .
2 ـ أما أن يبيع مسلم لنصراني أو يسرقه أو يقتله أو أن يبيع نصراني لمسلم أو يسرقه أو يقتله ، فكل ذلك شأن عام لا بد فيه من توحيد التشريع إعمالا للعدالة ، لأنه مثلا لو اختار المسلمون القتل عقوبة للقتل بينما اختار النصارى التوبيخ فقط عقوبة للقتل ، فإنه إن قتل مسلمٌ نصرانيا سيقتل بينما إن قتل نصرانيٌّ مسلما سيوُبَّخ فقط ، وهذا ظلم يعرض المسلمين للإبادة على يد النصارى دون رادع ؛ إذ التوبيخ ليس رادعا ، وهذا مثال غير واقع ، فالنصارى لا يوبخون القاتل فقط ؛ لكن قصدت به ضرب المثل واضحا لتوضيح الظلم الذي سيقع على إحدى الطائفتين لو ترك لكل طائفة تحديد عقوبة من يجني من أتباعها على آخر من أتباع طائفة أخرى .
3 ـ ففي الشأن العام إذن لا بد من توحيد العقوبات إعمالا للعدالة وصيانة لها ، فإما العقوبات المختارة من قبل الأقلية وإما العقوبات المختارة من قبل الأغلبية ، ثم الحَكَم في تحديد الطائفة صاحبة الحق في فرض العقوبة الموحَّدة هو الديمقراطية ، بدليل ما ذكرنا سابقا وما سنذكره لاحقا .
ج ـ ماذا لو فرضت الأغلبية في الشأن العام قانونا تراه الأقلية ظلما لها وإجحافا بحقها ؟
لنكن صرحاء ولنقل : ماذا لو أرادت الأغلبية المسلمة في مصر فرض الجزية المذكورة في القرآن الكريم على الأقلية النصرانية المسالمة ؟
الجواب على هذا ومثله هو مناقشة جدليات مصطلحات المدنية والدينية أو الدولة المدنية والدولة الدينية ، والكلام في كل ذلك كما يلي .
د ـ الدولة المدنية والدولة الدينية مصطلحان لا حقيقتان لغويتان ولا مشاحة في الاصطلاح
1 ـ والتناقض بين هذين المصطلحين يتمثل في عنصرين جوهريين يوجدان في إحدى هاتين الدولتين وينعدمان في الأخرى والعنصران هما :
ـ حرية الاعتقاد التي تعني حق كل أحد في اعتقاد ما يشاء وفي الدعوة إلى ما يعتقد وفي الردة عما يعتقد .
ـ والمساواة التي تعني عدم التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة وبين الناس في الحقوق الإنسانية .
2 ـ وإن وجد هذان العنصران في الدولة الدينية انعدم الفرق بين الدولتين ، وصار عبثا التنازع على المصطلحين .
3 ـ وهذان العنصران منعدمان كما سيأتي في الدولة اليهودية لاحتفال العهد القديم بالعنصرية وبمناهضة من ليس يهوديا وبدعوى أن اليهود شعب الله المختار وأنهم ليس عليهم فيمن سواهم سبيل ، ومنعدمان أيضا في الدولة النصرانية لأن شريعة النصارى هي شريعة اليهود شريعة العهد القديم ، ومنعدمان أيضا في الدولة الإسلامية الأموية وما تلاها من دول سواء السنية والشيعية .
4 ـ وما الفظائع اليهودية الموحية بقصة تاجر البندقية أمس ، ولا الفظائع اليهودية ضد الشعب الفلسطيني اليوم ، ولا فظائع محاكم التفتيش النصرانية في أوروبا أمس ، ولا فظائع الحجاج بن يوسف الثقفي السني أمس ، ولا فظائع عون إيران الشيعي وحزب الله الشيعي للنظام السوري الشيعي في سحق شعبه السني اليوم ، ما كل تلك الفظائع بخافية على أحد .
5 ـ أما الدولة الإسلامية المحمدية فمتأصل فيها هذان العنصران ، ولو تحررت كل من الشريعة الإسلامية السنية والشريعة الإسلامية الشيعية مما أصابها من تحريف لتوافقت كل منهما مع الأخرى ولتوافقتا كلتاهما معا مع الشريعة الإسلامية المحمدية ، حيث لا نص قرآني ولا حديث محمدي ينتهك حرية الاعتقاد ولا مبدأ المساواة كما سيأتي .
هـ ـ المدنية والدينية مصطلحان نختلف في تعريفيهما أو نتفق ؛ لكنهما فرع عن أصل
ومن الأصل سأنطلق ؛ لأن بالفرع إبهاما أو تعميما قد يجعل البعض يؤذن في واد غير الذي يؤذن فيه البعض الآخر ، فيصير الحوار حوار طرشان ، أو قد يجعل الأغلبية تتوهم أن الأقلية تريد أن تحرمها من استلهام قيم دينها في حياتها ، فلتكن دندنتنا حول الأصل .
1 ـ وفقا للديمقراطية يحق لكل طائفة اختيار قانون خاص ليحكم شأنها الخاص ، ووفقا للديمقراطية أيضا يحق للأغلبية اختيار قانون عام ليحكم الشأن العام ، بشرط ألا ينتهك حقوق الأقليات ، فلا ينتهك حرية الاعتقاد ومبدأ المساواة ، فلا يكره في الدين أحدا ، ولا يميز بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين أو اللغة أو اللون ، وبهذا يتحقق لكل أقلية حقها ، ولا فرق عندها حالئذ بين أن تكون الأغلبية قد ابتكرته من بنات أفكارها أو استلهمته من قيم دينها ، ولا يحق لها إذن أن تفرض على الأغلبية مرجعية ما ، ولا أن تمنعها من استلهام ما تختار من مرجعية .
2 ـ ومن هنا يحق للأغلبية المسلمة في مصر أن تنص في الدستور على أن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بل أن تنص فيه على أن أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع بشرط ألا تنتهك حق المساواة وحرية الاعتقاد إن كان فيها ما هو كذلك .
3 ـ وهذا معناه أنه لا يجوز للأغلبية المسلمة أن تفرض جزية على الأقلية النصرانية المسالمة ، ولا أن تفرض عقوبة على من ارتد عن ملته ولا أن تمنع نصرانيا من الترشح في الانتخابات لأي منصب حتى مناصب الولاية العامة ، ولا أن تميز بين مسلم ونصراني فتقتل النصراني إن قتل مسلما بينما تمتنع عن قتل المسلم إن قتل نصرانيا . . . إلخ ، وكل هذا في الحقيقة لا يتناقض مع الإسلام الحقيقي ، كما تبين آنفا ، وكما سيتبين لاحقا .
و ـ أما جدلية الدين والسياسة أو رجال الدين ورجال السياسة فهي الوجه الآخر لجدلية المدنية والدينية
1 ـ وكلتاهما تفرعتا من نفس الأصل ، فلم يكن الاعتراض على أشخاص رجال الدين بل على ما يحكمون به ، ولم يكن الاعتراض على ما يحكمون به لأنه دين ؛ بل لأنه كان ينتهك مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ويفرق بين المواطنين بسبب الدين .
2 ـ ومن هنا يتبين أنه لا فرق بين أن يحكمنا ساسة ليسوا رجال دين أو أن يحكمنا ساسة هم رجال دين ، طالما أنهم لا يحكموننا بصفتهم رجال دين وطالما أن القانون الحاكم يلتزم بالمواصفات والشروط المتفق عليها . والحق عند التدبر أن الحاكم الفعلي في العصر الحديث هو القانون لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء .
3 ـ أما رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء فخادم للشعب يعمل أجيرا لديه مقابل أجر من جيوب دافعي الضرائب بوظيفة مدير للدولة ، فهو يحيل إلى مجلس النواب ليشرع وإلى القضاء ليحكم وإلى مجلس الوزراء لينفذ ، وهو في كل ذلك خادم للشعب محكوم به لا حاكم له ، فهو محكوم بمجموع الشعب حاكم لأفراده ، وحكمه للأفراد لا يكون إلا بعد التفويض من المجموع بالانتخاب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا : الديمقراطية تراعي خصوصيات الأقليات وتحترم مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ، وهذا هو الإسلام أيضا ، وكما يلي :
إنني أنا المسلمَ أفخر بهذا على أتباع ملل أخرى إخوة لي في الإنسانية ، لكن الأمانة العلمية تقتضيني أن أعترف أن بعض الموروث في أيدي إخوتي المسلمين اليوم غير عادل ويحسبه جمهورهم عادلا ؛ لأنهم يحسبونه من الإسلام ، وهذا هو سبب الأزمة بين مسلمين متدينين يمثلون التيار السياسي الإسلامي وبين مسلمين يشهدون أن محمدا رسول الله يمثلون مع آخرين التيار السياسي المدني وإلى هؤلاء جميعا يتوجه الكلام هنا كما يلي :
أ ـ إن كل ما يتحفظ عليه التيار السياسي المدني ويخشى بسببه من التيار السياسي الإسلامي ليس من الإسلام في شيء
إنه صنائع بني أمية والعباس السنة وأعدائهم الشيعة ، معان باطلة فسروا بها نصوص القرآن وأقاويل باطلة نسبوها كذبا إلى نبي الإسلام حولوا بها الإسلام من رسالة هداية وبشرى رحمة للعالمين إلى مشروع سيطرة وسيف سلطان سلطوه على رقاب الناس ليوسعوا ملكهم ، فاستحلوا الدم الحرام والمال الحرام غنائم وأسلابا باسم الإسلام ، والإسلام من كل ذلك براء ، ثم حذا حذوَهم مَن بعدَهم ولا يزالون حتى اليوم وهم لا يشعرون .
ب ـ إن القرآن يحترم حرية الاعتقاد ، ومن ذلك قوله : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22]) ( مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45]) ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99]) (مَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [18/الكهف29]) .
ج ـ إن القرآن ينهى عن التعرض بسوء للكافر المسالم ، ومن ذلك قوله : ( لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة8]) وقوله : ( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [09/التوبة4]) والمدة قد تكون مؤبدة كما في (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً [19/مريم79]) أي للكافر أي مدا مخلدا أبدا لا نهاية له .
د ـ إن القرآن ينهى عن التعرض بسوء للمرتد المسالم ، ومن ذلك قوله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً[النساء90]) وقوله : (سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً[التوبة95]) فسياق كل من هاتين الآيتين حديث في منافقين كفروا بعد إيمانهم أي ارتدوا عن دينهم عن إسلامهم .
هـ ـ إن المساواة وحرية الاعتقاد لا يتناقض معهما أي نص قرآني ، ولا أي قول أو فعل للنبي صلعم أو لأبي بكر أو لعمر أو لعثمان أو لعلي
1 ـ فليس في القرآن آية سيف نسخت نصوص القرآن في السماحة الربانية والحرية الدينية ، ولا آية جزية مفروضة على المسالمين من أهل الكتاب بسبب رفضهم اعتناق الإسلام ، وما يدعى من ذلك كذب على القرآن أو فهم خاطئ من سلف زعموه وخلف قلدوهم فيه تقليدا أعمى بلا تبصر .
2 ـ فلو تدبر عارف بالعربية غيرُ مقلد غيرَه ما سماه البعض آية السيف ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ [09/التوبة5]) ولحظ سياقها التكامليّ ، السابقَ منه واللاحق ، القريبَ منه والبعيد ، الحاليَّ منه والمقاليّ ، لاكتشف أنها كذبة كبرى دعوى أنه ناسخ لسائر النصوص القرآنية في حرية التدين ، ولاكتشف أن المقصود بآية السيف هذه إنما هم الناقضون عهدهم المحاربون للمسلمين ، بسبب النقض والمحاربة لا بسبب الشرك .
3 ـ ولو تدبر عارف بالعربية غيرُ مقلد غيره آية الجزية (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[09/التوبة29]) ولحظ سياقها التكامليّ ، السابقَ منه واللاحق القريبَ منه والبعيد ، الحاليَّ منه والمقاليّ ، لاكتشف أنها كذبة كبرى دعوى أنها عقوبة لليهود والنصارى بسبب رفضهم اعتناق الإسلام ، ولاكتشف أن المقصود بآية الجزية هذه إنما هم الناقضون عهدهم المحاربون للمسلمين بسبب النقض والمحاربة لا بسبب رفض اعتناق دين الإسلام .
4 ـ ولو تدبر عارف بأصول علم الحديث النبوي الشريف رواية ودراية سندا ومتنا جرحا وتعديلا مصطلحا وشروط صحة غيرُ مقلد غيره لاكتشف أن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام لم يقل ( من بدل دينه فاقتلوه ) ولم يقل ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) ولم يقل (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) ولم يقل (كل مصر مصره المسلمون لا يبنى فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه بناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير ) ولم يقل ( لا يقتل مسلم بغير مسلم ) ولم يقل ( إن النساء ناقصات عقل ودين ) ولم يقل (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) إلى آخر تلك النصوص التي تنتهك المساواة وحرية الاعتقاد وتفرق بين المواطنين في حقوق المواطنة بسبب الدين والجنس ، وأن أيا من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لم يقل قولا ولم يفعل فعلا يتناقض مع مبدأ المساواة وحرية الاعتقاد ، وأن عمر بريء من الوثيقة المفتراة عليه المسماة بالعهدة أو الوثيقة العمرية ، وأنما هم بنو أمية والعباس صاغوا أباطيل تخدم أهواءهم العنصرية وجعلوها إسلاما والإسلام منها براء ثم ورثها بعدُ مَن بعدهم .
5 ـ يا علماء الإسلام نزهوا شريعة الإسلام مما دس فيها ، فإنكم إن فعلتم فلن يحتكم مسلم إلا إليها ، ولن يفضل منصف غير مسلم أي قانون عليها ؛ لأنها الباقي المصون دون ما سواه من عند الخالق الأعلم بما يصلح المخلوقين . نزهوها بحسن الفهم عن الله ، وحسن التثبت مما ينسب إلى رسول الله ، وبالتحرر من التقليد الأعمى لمن سبق ، وإن يكن سيبويه في النحو أو الشافعي في الفقه أو البخاري في التصحيح والتضعيف ؛ فلا أحد بعد النبي صلعم معصوم؛ بل كل يخطئ ويصيب يؤخذ منه ويرد . أستدرك فأنزه من بني أمية الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ورضي عنه .
هـ ـ أما قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [05/المائدة44]) (الظَّالِمُونَ [05/المائدة45]) (الْفَاسِقُونَ[المائدة47]) فمقصود به غير المضطرين ، وبناء عليه لا يجوز لمسلم أن يقبل منصب الوَلاية إن كانت بشرط أن يحكم بغير ما أنزل الله ؛ لأنه إن وفى بهذا الشرط كفر بربه ، وإن نقضه بطلت وَلايته ، وإن استخدم القوة في تنفيذ حكمه عصى أمرَ ربه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[02/البقرة256]) وسائرَ أوامره في معناه .
أما إن كان في بلد أهلُه مغلوبون على أمرهم سواءٌ أكانوا مسلمين أو غيرَ مسلمين وبدا له أنه إن رفض قبول منصب الوَلاية قام به آخر ظالم يخشى على الناس ظلمه ، فهو مضطر حالئذ إلى قبول هذا المنصب ، حتى وإن شُرط عليه الحكم بغير ما أنزل الله ، إن كان حكمه سيدفع هذا الظلم حتى وإن سبب ظلما آخر أخف منه ؛ لأن الله قد أحل إظهار الكفر به باللسان والجوارح معا اضطرارا ، فيحل له تبعا وربما من باب أولى الحكم بغير ما أنزل الله اضطرارا ؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بأشنع من إظهار الكفر به باللسان والجوارح معا ، أما الاضطرار لأجل المسلمين فمفهوم وأما لأجل غيرهم فلأن القرآن قد أحل للمسلم فداءَ المظلوم غير المسلم بنفسه ، بقوله (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء75]) فاللفظ هنا عام يشمل كل مستضعف مسلما كان أو غير مسلم ، والعبرة إنما هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وإذ أحل القرآن للمسلم إظهار الكفر فداء لنفسه وأحل له بذل نفسه فداء للمظلوم غير المسلم فقد أحل له تبعا إظهار الكفر فداء لهذا المظلوم غير المسلم وأحل له أيضا وربما من باب أولى فداءه بالحكم بغير ما أنزل الله ؛ لأن ما يقدم فداء للنفس يقدم بالتالي فداء لما تبذل في فدائه النفس ولأن الحكم بغير ما أنزل الله ليس بأبشع من إظهار الكفر .
و ـ أما العهدُ القديم شريعة إخوتنا اليهود وإخوتنا النصارى فحافل بالعنصرية وبالإكراه في الدين :
نعم وبمناهضة من ليس يهوديا ، وبدعوى أن اليهود شعب الله المختار ، وأنهم ليس عليهم فيمن سواهم سبيل ، وحافلتان بنصوص مرعبة كثيرة شديدة في الإكراه في الدين ، وفي إقصاء الآخرين واستئصالهم ، وفي الإبادة الجماعية حتى للنساء والأطفال والبهائم ، وفي العقاب الجماعي للأبرياء حتى للجيل العاشر من الأحفاد بسبب ما نقموه من أجدادهم في الجيل الأول ، ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي :
ففي {سفر التثنية 13 (6 - 11)} : ( إذا أغواك أخوك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك قائلا نذهب ونعبد آلهة أخرى فلا تسمع له ، بل قتلا تقتله ، ترجمه بالحجارة حتى يموت ، فيسمع [بنو] إسرائيل ويخافون ولا يعملون مثل هذا الأمر الشرير ) .
وفي {التثنية 13(12- 16)} : ( إن خرج أناس وطوحوا سكان المدينة قائلين نذهب ونعبد آلهة أخرى فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها [أي تقتلها] بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف ، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعدُ) .
وفي {التثنية 2 ( 33 - 34)} : (فخرج سيحون للقائنا للحرب فضربناه وحرَّمنا [أي قتلنا] الرجال والنساء والأطفال) .
وفي {التثنيـة 3 ( 1 ، 6)} : ( فخرج عوج ملك باشان للقائنا للحرب فحرَّمناها [أي قتلناها] محرِّمين [أي قاتلين] الرجال والنساء والأطفال) .
وفي {التثنية 23(3 - 5)} : (لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب حتى الجيل العاشر ؛ من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من مصر ؛ ولأنهم استأجروا عليكم بلعام بن بعور لكي يلعنك ولكن لم يشأ الرب أن يسمع لبلعام ) .
وفي {إرميا 48 (10)} : (ملعون من يمنع سيفه عن الدم) .
وفي {حزقيال 9 (5 - 6)} : ( لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك واملأوا الدور قتلى ) .
وفي {التثنيـة 23 (19)} : ( لا تقرض أخاك بربا . للأجنبي تقرض بربا ، ولكن لأخيك لا تقرض بربا ) .
خامسا : التحرر من سلطة رجال دين يزعمون العصمة ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
لقد نشأ القول بتنحية رجال الدين عن السياسة في أوربا إبان محاكم تفتيش نصرانية بلغ جورها حد إلزام المشكوك في دينهم بترك بيوتهم مفتوحة على الدوام ليل نهار ؛ لضمان مفاجأتهم بالتفتيش واكتشاف أدلة ردتهم عن الدين لمعاقبتهم ، وكان قولا مفهوما بل ومشروعا ؛ لأن كل أحكام رجال الدين هؤلاء كانت جائرة ، ولو كان بعضها عادلا لرحب الناس به وبدمجه في حياتهم ولاكتفوا بتنحية ما هو جائر منها ، ولو كانت كل أحكامهم عادلة لصارت تنحية الدين عن سياسة شعب متدين جَوْرا وإكراها في الدين وتنحية للعدالة نفسها ، وإذ أحكام الإسلام عادلة ، فإن تنحيته عن سياسة مسلمين متدينين في مصر لأنفسهم تنحية للعدالة نفسها ، وجور وإكراه في الدين لا يرضاه الإسلام الذي لا يرضى بإكراه غير المسلمين في الدين .
أما الحرية الجنسية فإن المجتمع المؤمن يراها فاحشة ومقتا وسبيلا سيئة ، ويريد صيانة نفسه من المخاطر المودِية إليها ، مخاطر إعلانها لأن إعلانها إغواء يفتن الناس ، ويُفقد أكثرهم قدرتهم على ضبط أنفسهم ويسلبهم إرادتهم ، لا سيما الفتيان والفتيات المؤمنين والمؤمنات ، وسلب الإرادة جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة الإكراه المعاقبِ عليها في كل قوانين الدنيا . نعم إعلانها حرية شخصية ؛ لكنه عدوان على حق الآخرين .
سادسا : عدم معاداة أي دين بمعنى عدم معاداة أهله المسالمين ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
والدليل عليه نفس دليل مراعاة الإسلام لمبدأ المساواة وحرية الاعتقاد .
سابعا : عدم الانحياز إلى أي متدين ضد أي متدين آخر ، هذا هو عَلمانية وليبرالية عَلمانيينا وليبراليينا في مصر ، وهو الإسلام أيضا
وعدم الانحياز إلى أي دين ضد أي دين لا يعنون به عدمَ الشهادة للدين الحق أنه الحق وعلى الدين الباطل أنه باطل بل يعنون به عدمَ التمييز بسبب الدين بين المواطنين في حقوق المواطنة ، وبين الناس في الحقوق الإنسانية ، أما الشهادة للدين الحق أنه الحق وعلى الدين الباطل أنه باطل فهي حق إنساني بل واجب أخلاقي على كل إنسان نحوَ كل أخ له في الإنسانية ، فأنا مؤمن بأن الإسلام هو الحق وأن ما سواه من الملل باطل ومسلم أحب الخير للناس جميعا مسلمين وغيرَ مسلمين كما أحبه لنفسي ، وحبي للمسلمين يجعلني أبين لهم حقائق الإسلام ؛ ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وحبي للخير لغير المسلمين يجعلني أدعوهم إلى حقائق الإسلام وأحذرهم من أباطيل ما هم عليه ، نصحا لهم وخوفا عليهم من نار يوم القيامة ، وإني لمُقبِّلٌ يَدَيْ وقدَمَيْ وبين عَيْنَيْ كلِّ أخ لي ـ مسلمٍ أو غير مسلم ـ يرى ما هو عليه حقا وما أنا عليه باطلا ، ويحب الخير لي كما يحبه لنفسه ، ويدفعه حبه للخير لي إلي أن يدعوَني إلى ما يعتقد أنه حق هو عليه ، ويحذرَني مما يعتقد أنه باطل أنا عليه ، نصحا منه لي وخوفا عليَّ من نار يوم القيامة ، أنا الإنسانَ ، أخاه في الإنسانية .
ثامنا : لماذا يطبق أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا علمانية تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض ؟
إنه اجتهاد إسلامي من أردوغان ومن معه أراه سديدا . إنهم يؤمنون بالكتاب كله وهذا معنى قوله إنني عَلماني بصفتي الوظيفية لا بصفتي الشخصية ؛ لكنهم يعلمون أن ظروفهم غير مواتية لتطبيق شريعة الإسلام كلها ، إما لطغيان العسكريين الأتراك ، وإما مراعاة لالتصاق أباطيل بالإسلام ليست منه ، جعلته عاجزا حضاريا أمام الناس ومحاربا من العالم المتحضر بينما علماؤه عاجزون عن تحريره من هذه الأباطيل ، وإما للسببين معا وفي هذه الظروف يرون أنهم إن أصروا على كل شيء فقدوا كل شيء ، وقد فقهوا من دينهم الحنيف أن إظهار الكفر بالإسلام كله بالجوارح واللسان اضطرارا لا يضر بإيمان المطمئن قلبه بالإيمان ، وأنه إذا جاز الكفر بالإسلام كله بالجوارح واللسان اضطرارا جاز بالتالي ومن باب أولى الكفر ببعضه فهم إذن أفقه من علماء في مصر يقولون علنا صراحة : إننا نؤمن بتطبيق حد الردة عن ملة الإسلام ؛ لكن الظروف غير مواتية لتطبيقه الآن وسنعمل على تهيئتها وحين تتهيأ سنطبقه ، فمثلهم كمثل مستضعف وُضِع السيف على عنقه وأمِر بالكفر ، فقال لواضع السيف على عنقه إني أكفر بجوارحي ولساني لأنك تضطرني بسيفك إلى الكفر ؛ ولكني سأنتقم منك حين تتهيأ ظروف قدرتي على إظهار إيماني ! فوا فقهاه ! وا ضيعة عقلاه ! وا ذهول فؤاداه ! .
زاده تحريرا في24ـ9ـ 2013 بالقاهرة حائزا لبراهينه مفصلة لمن يطلبها على منتداه www .al7k .forumegypt .net متولي إبراهيم صالح هاتف 01227972399 أزهري حصل من جامعة الأزهر على ليسانس الشريعة والقانون وليسانس اللغة العربية وبكالوريوس الهندسة ودرس علوم القرآن الكريم والقراءات القرآنية في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتتلمذ في علوم الحديث النبوي الشريف على يدي شيخ السلفيين في العالم كله اليومَ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ، ولا يقلد أحدا بعد رسول الله صلعم بلا دليل لا سيبويهِ في النحو ، ولا الشافعيَّ في الفقه ، ولا البخاريَّ في التصحيح أو التضعيف ، ولا يعبد من دون الله آلهة أخرى ، لا التوثيق المطلق بالسبر الجزئي بلا دليل ، ولا عنعنات بعض المدلسين في كل الكتب بلا دليل ، ولا عنعنات كل المدلسين في بعض الكتب بلا دليل ، تلك الآلهة التي من خلالها ألصق بالإسلام ما ليس منه ، فانصد الناس ولا يزالون حتى اليومِ منصدين عنه مرعوبين منه ولكن أكثر علمائنا لا يشعرون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
نشر في اليوم السابع الورقية والإلكترونية في 27 ، 28/2012 بعنوان الشيخ متولي إيراهيم صالح يكتب
عدل سابقا من قبل متولي إبراهيم في الثلاثاء سبتمبر 24, 2013 2:30 am عدل 7 مرات