فالمقرض الآكل آثم مأزور أما المقترض الموكل فمعذور غير مأزور ؛ لكنه غير مأجور ولا مشكور ، والبيان كما يلي :
أ ـ الربا هو الزيادة ، فإذا اقترض زيد مائة دينار من عمرو ليعيدها بعد مدة مائة وعشَرة ، فالعشَرة هي الربا ، والمائة هي رأس المال ، وعمرو آكل للربا ، وزيد موكل للربا .
ب ـ والقرآن ينهى الدائنين عن أكل الربا ، بل ويحثهم على إمهال المدين إلى ميسرة ، بل ويحثهم على العفو عن المدين المعسر ، والتنازل عن الديون التي عليه ، وجعلها صدقة ؛ إذ يقول لهم :
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [02/البقرة280])
ج ـ والقرآن إنما ينهى المقرض وحده فحسب ينهاه عن أخذ الربا وأكله وإنما يتوعد بالعذاب المقرض الآخذ الآكل وحده فحسب ؛ إذ يقول :
(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [02/البقرة188]) (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [02/البقرة275]) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [03/آل عمران130ـ131]) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً [04/النساء29 ـ30]) (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [04/النساء160ـ161])
د ـ والقرآن لم يفرض عقوبة دنيوية على الربا ، إنما هدد فقط بإعلان حرب ، ولم يهدد بذلك إلا آكلي الربا ، ولم يهدد بذلك من آكلي الربا إلا آكليه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [02/البقرة278ـ279])
ولو أراد الله لأحد بعد رسوله من حكام المسلمين إعلان الحرب على آكلي الربا لما خص رسوله بالذكر هنا ، ولحدد هنا كيفية يستهدي بها الحكام بعد رسوله في حربهم مع آكلي الربا ، فلما خص رسوله بالذكر دون غيره ممن بعده ولم يحدد كيفية يُستهدَى بها في محاربة أكلي الربا ممن بعد الصحابة دل ذلك على اختصاص من مع رسوله من آكلي الربا بالتهديد بالحرب من الله ورسوله لتكون آثار بركات تطهير مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم من الربا مثالا وقدوة وحاديا لمن بعدهم .
هـ ـ أما المقترض فلا يحرم القرآن عليه إعطاء الربا للمقرض الآكل الآخذ ، ولا يتوعده بعذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا ينعي عليه إلا أنه لن يؤجر يوم القيامة على ما آتاه للمقرض من ربا في أحد المعنيين المحتملين ؛ إذ يقول :
(يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [02/البقرة276]) (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [30/الروم39])
فاللفظ يحتمل فلا يربوا عند الله لصالح الآكلين أو فلا يربوا عند الله لصالح الموكلين .
و ـ أما زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لعن الله آكل الربا وموكله) فافتراء عليه صلى الله عليه وسلم لا يصح له إسناد ولا تقوم له قائمة ، والبيان كما يلي :
1 ـ بعض أسانيد هذا الخبر مقاطيع ، ولا حجة في المقاطيع .
2 ـ وبعضها يدور على أبي الزبير المكي . 3 ـ وبعض على عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود .
4 ـ وبعض على مغيرة بن مقسم الضبي . 5 ـ وبعض على الأعمش سليمان بن مهران .
6 ـ وبعض على سفيان الثوري عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان .
وكلهم مدلسون معنعنون ولم يصرح أي منهم بأي سماع في أي طريق .
7 ـ وبعض على سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحي بن سلمة بن كهيل عن أبيه إبرهيم عن جده إسماعيل عن جد أبيه يحي عن جد جده سلمة وما من هؤلاء ثقة سوى جد الجد سلمة وهو مدلس معنعن .
8 ـ وبعض على الحارث بن عبد الله الأعور وهو متهم بالكذب .
9 ـ وبعض على عيسى بن أبي عيسى الحناط عن الشعبي وعيسى متروك والشعبي مدلس معنعن .
10 ـ وبعض على عون بن أبي جحيفة وهو مجهول موثق بسبر جزئي ناقص توثيقا لا دليل على صحته ممن ولدوا بعد وفاته يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والنسائي وليس لهم إسناد إلى معاصر له وثقه فيقال وثقه معاصر عارف بشخصه ولم يطالعوا روايته هذه ؛ إذ لو طالعوها لشذذوها لمخالفتها للقرآن ولرجعوا عن توثيقه ولحكموا عليه بأنه غير ثقة أو بأنه مخطئ شاذ في زعمه لعن الله للموكل رغم خلو القرآن من أي تهديد أو حتى توبيخ للموكل .
ز ـ وأما زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إطعام الربا فيدور على عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه وعثمان ليس بثقة وأبوه مدلس معنعن .
هذا فضلا عن عيوب أخرى بالأسانيد يغني عن ذكرها ما ذكر فلا إسناد من هذه الأسانيد كما هو واضح إلا ويحتوي على مجهول أو غير ثقة لطعن في عدالته أو في حفظه أو ثقة قد اختلط عقله أو ثقة عاقل ولكنه مدلس معنعن مطعون في سماعه .
ح ـ أما لماذا عاب القرآن الآكل المقرض وعذر الموكل المقترض
فلأن المقرض مظنة وفرة وبحبوحة ونعمة لكنه استخدم هذه النعمة لأكل أموال الآخرين بالباطل بدلا من أن يقرضهم قرضا حسنا إلى أجل شكرا لله عليها وزكاة لها ، وأما المقترض فمظنة حاجة في الأصل واضطرار في الغالب وهو المظلوم المهضوم حقه المغصوب ماله ، فلم يشإ الله الرؤوف الرحيم بصاحب الحاجة أو المضطر أن يجمع عليه المصيبتين ظلم العبد وعقاب الرب . وأقول هو معذور لكنه غير مشكور لا سيما غير المضطر لأن القرآن حين تحدث عنه أهدر حقه وتحدث حديثا يشف عن نقد أقرب إلى العتاب منه إلى التوبيخ إذ قال : (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [30/الروم39])
والمعنى أن ما تؤتونه صدقة فأنتم مأجورون عليه وأما ما تؤتونه ربا فلا أجر لكم عند الله عليه ، وهنا فرق بين من يَسلُب مالَه لصٌّ سرقة ومن يَسلُب مالَه آكل ربا ربا فمن سلب ماله لص سرقة مأجور عند الله على ما سرق منه لأنه لم يعن السارق على أن يكون سارقا ، أما من سلب ماله أكل ربا ربا فغير مأجور على ما سلب منه ربا لأنه أعان آكل الربا على أكل الربا ، والله يقول : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [05/المائدة2])
فما ألطف معانيَ القرآن في التمييز بين الأحوال وبين أصحاب الأحوال .
ط ـ وزيادة في البيان ربما يحسن أن أنوه بما يلي :
1 ـ إن الله تعالى قد ميز بين حقوق خالصة له ، كالصلاة والصوم والحج ، فاستأثر بحق العفو عنها أو العقوبة عليها ، وبين حقوق أخرى ، خص أولياء لها من العباد بحق العفو عنها أو التمسك بها ، ومنها الربا ، وعفو موكل الربا عما أعطاه كعفو المسلوب منه بغير رضاه عما سلب منه وهو قادر على استرداده ، وكعفوا الدائن وأولياء القتيل عن الدين والقصاص والدية وهم قادرون ، وقد حرم الله الربا كما الغصب والقتل لا لأجل نفسه تعالى ، وإنما لأجل من سيكونون الضحايا ، وهم المأكولون كما المسلوبون والمقتولون .
2 ـ إن لقائل أن ينفي عن الموكل حتى العتاب بتنويه القرآن بمقالة ابن آدم الأول :
(لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة : 28)
فقد كانت استسلاما صريحا للقاتل خالياً من أي مقاومة ، ورغم ذلك لم يتوعده القرآن ، ولا حتى عتب عليه استسلامه ؛ مما يشي بأن حال المظلوم المستسلم لظالمه آكل الربا أو سالب الحق أو سافك الدم ليست تعاوناً على الإثم والعدوان كحال الظالم المتعاون مع ظالم مثله على ظلم غيرهما . فلا فرق إذن ، بين المأكول رباه والمسروق ماله ، والمقتولة نفسه والمغصوب حقه . فإذا قيل للمأكول حرام عليك أن أكلك الآكل ؛ لزم أن يقال للمسروق منه ، حرام عليك أن سرقك السارق ، وللمقتول حرام عليك أن قتلك القاتل ، وللمغصوب حرام عليك أن غصبك الغاصب ، ولم يقل بهذا أحد .
ي ـ هذا ما بدا لي ، وبدأت كتابته عصر الاثنين 13/4/1998م وزدته تحريرا اليوم 29/8/2012 بمناسبة اللغط الماثل بشأن قرض صندوق النقد الدولي لحكومة الرئيس مرسي وفقه الله وأحسن بطانته ، وهدى معارضيه في معارضتهم إلى التزام مكارم الأخلاق وتوخي الصالح العام ، فمن أبدى لي أهدى مما بدا لي تبعت ما هو أهدى وتركت ما بدا لي .
القاهرة متولي إبراهيم صالح هاتف 01227972399 أزهري حصل من جامعة الأزهر على ليسانس الشريعة والقانون وليسانس اللغة العربية وبكالوريوس الهندسة ودرس علوم القرآن الكريم والقراءات القرآنية في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتتلمذ في علوم الحديث النبوي الشريف على يدي شيخ السلفيين في العالم كله اليومَ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ، ولا يقلد أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا دليل لا سيبويهِ في النحو ، ولا الشافعيَّ في الفقه ، ولا البخاريَّ في التصحيح أو التضعيف ، ولا يعبد من دون الله آلهة أخرى ، لا التوثيق المطلق بالسبر الجزئي بلا دليل ، ولا عنعنات بعض المدلسين في كل الكتب بلا دليل ، ولا عنعنات كل المدلسين في بعض الكتب بلا دليل ، تلك الآلهة التي من خلالها ألصق بالإسلام ما ليس منه ، فانصد الناس ولا يزالون حتى اليومِ منصدين عنه مرعوبين منه ولكن أكثر علمائنا لا يشعرون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
لقد أخطأت في مقالي باليوم السابع يوم الثلاثاء 28/8/2012 فقلت : {فى العهد الجديد فى إنجيل لوقا (19-27) يُنسَب إلى المسيح عليه الصلاة السلام أنه قال لحوارييه : أَمَّا أَعْدَائِى أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِى} ، ولقد هاتفني أخ نصراني ولفت انتباهي إلى أني أخطأت ، فلما تدبرت السياق البعيد تبينت خطئي إذ تبين لي أنه كان مثلا ضرب لإنسان شريف الجنس هو الذي نسبت إليه هذه العبارة وليس السيد المسيح ، فشكرا لمن صحح لي ومعذرة إلى من آذيتهم بخطإ دون قصد ، واللهم سماحة أشهد بها لغيري وشجاعة أقر بها على نفسي .
أ ـ الربا هو الزيادة ، فإذا اقترض زيد مائة دينار من عمرو ليعيدها بعد مدة مائة وعشَرة ، فالعشَرة هي الربا ، والمائة هي رأس المال ، وعمرو آكل للربا ، وزيد موكل للربا .
ب ـ والقرآن ينهى الدائنين عن أكل الربا ، بل ويحثهم على إمهال المدين إلى ميسرة ، بل ويحثهم على العفو عن المدين المعسر ، والتنازل عن الديون التي عليه ، وجعلها صدقة ؛ إذ يقول لهم :
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [02/البقرة280])
ج ـ والقرآن إنما ينهى المقرض وحده فحسب ينهاه عن أخذ الربا وأكله وإنما يتوعد بالعذاب المقرض الآخذ الآكل وحده فحسب ؛ إذ يقول :
(وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [02/البقرة188]) (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [02/البقرة275]) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [03/آل عمران130ـ131]) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً [04/النساء29 ـ30]) (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [04/النساء160ـ161])
د ـ والقرآن لم يفرض عقوبة دنيوية على الربا ، إنما هدد فقط بإعلان حرب ، ولم يهدد بذلك إلا آكلي الربا ، ولم يهدد بذلك من آكلي الربا إلا آكليه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قال :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [02/البقرة278ـ279])
ولو أراد الله لأحد بعد رسوله من حكام المسلمين إعلان الحرب على آكلي الربا لما خص رسوله بالذكر هنا ، ولحدد هنا كيفية يستهدي بها الحكام بعد رسوله في حربهم مع آكلي الربا ، فلما خص رسوله بالذكر دون غيره ممن بعده ولم يحدد كيفية يُستهدَى بها في محاربة أكلي الربا ممن بعد الصحابة دل ذلك على اختصاص من مع رسوله من آكلي الربا بالتهديد بالحرب من الله ورسوله لتكون آثار بركات تطهير مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم من الربا مثالا وقدوة وحاديا لمن بعدهم .
هـ ـ أما المقترض فلا يحرم القرآن عليه إعطاء الربا للمقرض الآكل الآخذ ، ولا يتوعده بعذاب لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا ينعي عليه إلا أنه لن يؤجر يوم القيامة على ما آتاه للمقرض من ربا في أحد المعنيين المحتملين ؛ إذ يقول :
(يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [02/البقرة276]) (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [30/الروم39])
فاللفظ يحتمل فلا يربوا عند الله لصالح الآكلين أو فلا يربوا عند الله لصالح الموكلين .
و ـ أما زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لعن الله آكل الربا وموكله) فافتراء عليه صلى الله عليه وسلم لا يصح له إسناد ولا تقوم له قائمة ، والبيان كما يلي :
1 ـ بعض أسانيد هذا الخبر مقاطيع ، ولا حجة في المقاطيع .
2 ـ وبعضها يدور على أبي الزبير المكي . 3 ـ وبعض على عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود .
4 ـ وبعض على مغيرة بن مقسم الضبي . 5 ـ وبعض على الأعمش سليمان بن مهران .
6 ـ وبعض على سفيان الثوري عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان .
وكلهم مدلسون معنعنون ولم يصرح أي منهم بأي سماع في أي طريق .
7 ـ وبعض على سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحي بن سلمة بن كهيل عن أبيه إبرهيم عن جده إسماعيل عن جد أبيه يحي عن جد جده سلمة وما من هؤلاء ثقة سوى جد الجد سلمة وهو مدلس معنعن .
8 ـ وبعض على الحارث بن عبد الله الأعور وهو متهم بالكذب .
9 ـ وبعض على عيسى بن أبي عيسى الحناط عن الشعبي وعيسى متروك والشعبي مدلس معنعن .
10 ـ وبعض على عون بن أبي جحيفة وهو مجهول موثق بسبر جزئي ناقص توثيقا لا دليل على صحته ممن ولدوا بعد وفاته يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والنسائي وليس لهم إسناد إلى معاصر له وثقه فيقال وثقه معاصر عارف بشخصه ولم يطالعوا روايته هذه ؛ إذ لو طالعوها لشذذوها لمخالفتها للقرآن ولرجعوا عن توثيقه ولحكموا عليه بأنه غير ثقة أو بأنه مخطئ شاذ في زعمه لعن الله للموكل رغم خلو القرآن من أي تهديد أو حتى توبيخ للموكل .
ز ـ وأما زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إطعام الربا فيدور على عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه وعثمان ليس بثقة وأبوه مدلس معنعن .
هذا فضلا عن عيوب أخرى بالأسانيد يغني عن ذكرها ما ذكر فلا إسناد من هذه الأسانيد كما هو واضح إلا ويحتوي على مجهول أو غير ثقة لطعن في عدالته أو في حفظه أو ثقة قد اختلط عقله أو ثقة عاقل ولكنه مدلس معنعن مطعون في سماعه .
ح ـ أما لماذا عاب القرآن الآكل المقرض وعذر الموكل المقترض
فلأن المقرض مظنة وفرة وبحبوحة ونعمة لكنه استخدم هذه النعمة لأكل أموال الآخرين بالباطل بدلا من أن يقرضهم قرضا حسنا إلى أجل شكرا لله عليها وزكاة لها ، وأما المقترض فمظنة حاجة في الأصل واضطرار في الغالب وهو المظلوم المهضوم حقه المغصوب ماله ، فلم يشإ الله الرؤوف الرحيم بصاحب الحاجة أو المضطر أن يجمع عليه المصيبتين ظلم العبد وعقاب الرب . وأقول هو معذور لكنه غير مشكور لا سيما غير المضطر لأن القرآن حين تحدث عنه أهدر حقه وتحدث حديثا يشف عن نقد أقرب إلى العتاب منه إلى التوبيخ إذ قال : (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [30/الروم39])
والمعنى أن ما تؤتونه صدقة فأنتم مأجورون عليه وأما ما تؤتونه ربا فلا أجر لكم عند الله عليه ، وهنا فرق بين من يَسلُب مالَه لصٌّ سرقة ومن يَسلُب مالَه آكل ربا ربا فمن سلب ماله لص سرقة مأجور عند الله على ما سرق منه لأنه لم يعن السارق على أن يكون سارقا ، أما من سلب ماله أكل ربا ربا فغير مأجور على ما سلب منه ربا لأنه أعان آكل الربا على أكل الربا ، والله يقول : (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [05/المائدة2])
فما ألطف معانيَ القرآن في التمييز بين الأحوال وبين أصحاب الأحوال .
ط ـ وزيادة في البيان ربما يحسن أن أنوه بما يلي :
1 ـ إن الله تعالى قد ميز بين حقوق خالصة له ، كالصلاة والصوم والحج ، فاستأثر بحق العفو عنها أو العقوبة عليها ، وبين حقوق أخرى ، خص أولياء لها من العباد بحق العفو عنها أو التمسك بها ، ومنها الربا ، وعفو موكل الربا عما أعطاه كعفو المسلوب منه بغير رضاه عما سلب منه وهو قادر على استرداده ، وكعفوا الدائن وأولياء القتيل عن الدين والقصاص والدية وهم قادرون ، وقد حرم الله الربا كما الغصب والقتل لا لأجل نفسه تعالى ، وإنما لأجل من سيكونون الضحايا ، وهم المأكولون كما المسلوبون والمقتولون .
2 ـ إن لقائل أن ينفي عن الموكل حتى العتاب بتنويه القرآن بمقالة ابن آدم الأول :
(لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (المائدة : 28)
فقد كانت استسلاما صريحا للقاتل خالياً من أي مقاومة ، ورغم ذلك لم يتوعده القرآن ، ولا حتى عتب عليه استسلامه ؛ مما يشي بأن حال المظلوم المستسلم لظالمه آكل الربا أو سالب الحق أو سافك الدم ليست تعاوناً على الإثم والعدوان كحال الظالم المتعاون مع ظالم مثله على ظلم غيرهما . فلا فرق إذن ، بين المأكول رباه والمسروق ماله ، والمقتولة نفسه والمغصوب حقه . فإذا قيل للمأكول حرام عليك أن أكلك الآكل ؛ لزم أن يقال للمسروق منه ، حرام عليك أن سرقك السارق ، وللمقتول حرام عليك أن قتلك القاتل ، وللمغصوب حرام عليك أن غصبك الغاصب ، ولم يقل بهذا أحد .
ي ـ هذا ما بدا لي ، وبدأت كتابته عصر الاثنين 13/4/1998م وزدته تحريرا اليوم 29/8/2012 بمناسبة اللغط الماثل بشأن قرض صندوق النقد الدولي لحكومة الرئيس مرسي وفقه الله وأحسن بطانته ، وهدى معارضيه في معارضتهم إلى التزام مكارم الأخلاق وتوخي الصالح العام ، فمن أبدى لي أهدى مما بدا لي تبعت ما هو أهدى وتركت ما بدا لي .
القاهرة متولي إبراهيم صالح هاتف 01227972399 أزهري حصل من جامعة الأزهر على ليسانس الشريعة والقانون وليسانس اللغة العربية وبكالوريوس الهندسة ودرس علوم القرآن الكريم والقراءات القرآنية في كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتتلمذ في علوم الحديث النبوي الشريف على يدي شيخ السلفيين في العالم كله اليومَ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى ، ولا يقلد أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا دليل لا سيبويهِ في النحو ، ولا الشافعيَّ في الفقه ، ولا البخاريَّ في التصحيح أو التضعيف ، ولا يعبد من دون الله آلهة أخرى ، لا التوثيق المطلق بالسبر الجزئي بلا دليل ، ولا عنعنات بعض المدلسين في كل الكتب بلا دليل ، ولا عنعنات كل المدلسين في بعض الكتب بلا دليل ، تلك الآلهة التي من خلالها ألصق بالإسلام ما ليس منه ، فانصد الناس ولا يزالون حتى اليومِ منصدين عنه مرعوبين منه ولكن أكثر علمائنا لا يشعرون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
لقد أخطأت في مقالي باليوم السابع يوم الثلاثاء 28/8/2012 فقلت : {فى العهد الجديد فى إنجيل لوقا (19-27) يُنسَب إلى المسيح عليه الصلاة السلام أنه قال لحوارييه : أَمَّا أَعْدَائِى أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِى} ، ولقد هاتفني أخ نصراني ولفت انتباهي إلى أني أخطأت ، فلما تدبرت السياق البعيد تبينت خطئي إذ تبين لي أنه كان مثلا ضرب لإنسان شريف الجنس هو الذي نسبت إليه هذه العبارة وليس السيد المسيح ، فشكرا لمن صحح لي ومعذرة إلى من آذيتهم بخطإ دون قصد ، واللهم سماحة أشهد بها لغيري وشجاعة أقر بها على نفسي .