منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

منتدى متولي إبراهيم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى متولي إبراهيم صالح

بحوث في الدين والسياسة


    9 ـ خلاصة تحقيق حديث أمرت أن أقاتل بقية التعليق (436) معنى الصحبة وعدالة الصحابة

    متولي إبراهيم
    متولي إبراهيم
    رئيس الصفحة
    رئيس الصفحة


    المساهمات : 108
    تاريخ التسجيل : 05/10/2011

    9 ـ خلاصة تحقيق حديث أمرت أن أقاتل بقية التعليق (436) معنى الصحبة وعدالة الصحابة Empty 9 ـ خلاصة تحقيق حديث أمرت أن أقاتل بقية التعليق (436) معنى الصحبة وعدالة الصحابة

    مُساهمة من طرف متولي إبراهيم السبت ديسمبر 03, 2011 7:27 am

    خامسا : معنى الصحبة وفق مذهب الجمهور له تكملة @ص113س16
    لقد اختلفوا في نعت الصحابة بدداً وافترقوا في شروط الصحبة طرائق قدداً ولم يصطلحوا على مدلول معين لمعنى الصحبة ولا معيار محدد يمكننا من التفريق بين أبي بكر الصديق رأس المتقين وبين عبد الله بن أُبي رأس المنافقين .
    فمنهم من جعل اسم صحبة النبي صلعم مستحقاً لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وإن كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة وأطلقه أيضاً على من رآه رؤية ولو على بعد .
    قال البخاري في جامعه 7/6 الفتح : (من صحب النبي صلعم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه)وهو متوافق مع ما نقل عن شيخه علي بن المديني : (من صحب النبي صلعم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلعم)ذكره ابن حجر في الفتح 7/7 وقال في 7/6 : (والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين).
    ومنهم من كان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية .
    قال ابن حجر في الفتح 7/6 : " ومنهم من كان لا يعد في الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول قال : (رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلعم غير أنه لم يكن له صحبة)أخرجه أحمد فهذا رأي عاصم(أن الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية). وكذا روي عن سعيد بن المسيب : (أنه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلعم سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً)" اهـ .
    سادسا : مناقشة معدلي كل معدود في الصحابة وفق مذهب الجمهور في تعريف الصحبة
    أ ـ مناقشة تعديل الجمهور لكل معدود في الصحابة
    الجمهور وفق مذهبهم في معنى الصحبة يوثقون كل من صحب النبي أو رآه مسلماً ولو ساعة من نهار ، وهذه شهادة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ؛ فلا نصوص الدين قررت ولا واقع الأمر شهد .
    والتحقيق الذي قرره القرآن نفسه وشهد له واقع الحال نفسه والذي رواه جمهور المحدثين أنفسهم وفيهم البخاري نفسه : أن الصحابة بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الخطأ والنسيان بل ومن النفاق والكفر بعد الإيمان لما يلي : ـ
    1 ـ لقد كان منهم من كانوا صادقين في إسلامهم وهؤلاء هم الأكثرون وهم المعنيون بكل ثناء حسن ورد في كتاب الله بشأن من كانوا مع رسول الله صلعم المعنيون بقوله جل وعلا(وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(الفتح : 29)، وقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(الفتح : 18). وقوله (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم)(الحشر : 8ـ9) .
    2 ـ كما كان منهم وفق مذهب الجمهور في معنى الصحبة من كانوا منافقين كاذبين في إسلامهم من الأعراب حول المدينة ومن أهل المدينة نفسها ولم يكن النبي صلعم يعلم إلا ظاهر أمرهم لأنه لم يكن ليعلم من بواطن الأمور إلا ما يخبره الوحي به وقد أخبره ربه بوحي قرآني بأن في أصحابه منافقين لا يعلمهم ، قال عز وجل(وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ )(التوبة : 101)، فكيف يحكم بعدالة هؤلاء ؟ .
    وإذا كان تعريف الجمهور لمعنى الصحبة يشملهم فكيف يحكم بتعديل كل الصحابة وفق هذا التعريف ؟ وكيف لا يعلمهم النبي صلعم نفسه كما يخبرنا القرآن الكريم ؟ ثم يعلمهم من هو دونه حذيفة أو غيره كما قد يستظهر البعض من بعض الآثار .
    3 ـ كما كان منهم وفق مذهب الجمهور في معنى الصحبة وفي مدى التوثيق بالسبر من ذكر أنه ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي صلعم كالأشعث بن قيس [فتح الباري 7/6] .
    4 ـ كما كان منهم وفق مذهبهم في معنى الصحبة وفي مدى التوثيق بالسبر من ذكر أنه ارتد ومات على النصرانية بعد وفاة النبي صلعم كربيعة بن أمية ، قال ابن حجر في الفتح 7/6 : (ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن أسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلعم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بن الخطاب بالروم وتنصر بسبب شيء أغضبه).
    5 ـ بل وكان منهم وفق مذهبهم في معنى الصحبة وفي مدى التوثيق بالسبر من ذكر أنه ارتد في حياة النبي صلعم كعبد الله بن سعد بن أبي السرح ففي الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر[04714] كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب للنبي صلعم فأزله الشيطان فلحق بالكفار وفي الطبقات الكبرى لابن سعد[03607] كتب لرسول الله صلعم الوحي ثم أفتتن وخرج من المدينة إلى مكة مرتدا .
    6 ـ وكان منهم وفق مذهبهم في معنى الصحبة وفي مدى التوثيق بالسبر من ذكر أنه ارتد وتنصر في حياة النبي ففي جامع البخاري [03617] كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلعم فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له وفي تهذيب الكمال للمزي[11241] أم حبيبة زوج النبي صلعم هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش الى أرض الحبشة فتنصر هناك ومات نصرانيا فتزوجها رسول الله صلعم وهي هناك .
    7 ـ ولقد روى الجمهور وفيهم البخاري ومسلم قصص الصحابة : الزانيين ماعز والغامدية وشاربي الخمر نعيمان وعبد الله والصحابية السارقة المخزومية وغيرهم .
    انظر : [البخاري : 6774 ، 6780 ، 6788 ، 6824 ومسلم : 1688 ، 1695] .
    8 ـ كما قص القرآن قصة الصحابة البخلاء فقال : (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل).
    9 ـ وكان منهم أهل الإفك الذين قال الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(النور : 11).
    10 ـ وجل الصحابة أو كثير منهم شارك في فتنة صفين كما هو مشهور .
    11 ـ قول الجمهور مناقضة سافرة لخبر منسوب إلى النبي صلعم في كتاب هو أصح كتاب بعد كتاب الله .
    ـ فقد روى البخاري ح5101 أن أم حبيبة قالت للنبي صلعم(إنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أم سلمة)وفي روايات في البخاري أيضاً ح5106 ، 5107 ، 5123 ، 5372 أنها قالت : (بلغني . نتحدث . تحدثنا)وأن النبي صلعم كذب هذا الخبر .
    ـ والشاهد من هذا الخبر واضح فهو خبر مرسل علمته الصحابية أم المؤمنين أم حبيبة من آخرين صحابة ينسبونه إلى النبي بينما النبي صلعم يكذبه فهو مرسل صحابية كذبه النبي صلعم نفسه .
    ـ إن قول الجمهور بصحة مراسيل أو تدليسات الصحابة المعروفين ، عن صحابة آخرين مجهولين على مذهبهم في معنى الصحبة ، مناقضة لتلك الشهادة المنسوبة إلى النبي صلعم في البخاري أصح الكتب بعد القرآن ببطلان هذه المراسيل وتلك التدليسات .
    ـ قال ابن حجر في الفتح ط . السلفية 9/47 : (ولم أقف على اسم من أخبر بذلك . ولعله كان من المنافقين ، فإنه قد ظهر أن الخبر لا أصل له وهذا مما يستدل به على ضعف المراسيل) . قلت : يعنى مراسيل الصحابة لأن هذا مرسل صحابية ، ومراسيل الصحابة تدليسات لأنهم رأو النبي صلعم .
    12 ـ قول الجمهور مناقضة سافرة لشهادة الله تعالى ببطلان عدالة بعض الصحابة
    ففي قوله لنبيه في القرآن : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ )(التوبة : 101)، فهؤلاء المنافقون صحابة طبقاً لتعريف الجمهور لمعنى الصحبة كما سيأتي . وإن من أعجب العجب أن يظن أن النبي صلعم كان يعرف كل منافقي الصحابة وأنه اختص حذيفة بن اليمان من دون سائر مقربيه فأعلمه بهم ، مسفرين عن مناقضة صارخة لقول الله عنهم لنبيه في القرآن : (لاَ تَعْلَمُهُمْ )، إذ كيف يشهد الله أن النبي لا يعلمهم ثم يُظن أن صحابياً يعلمهم!! .
    ب ـ المنافقون الذين يعلمهم النبي صلعم
    قيل إن الله ذكر لنبيه في القرآن أوصافاً يتعرف بها على المنافقين ، فهو يستدل عليهم ويعلمهم بهذه الأوصاف ، ومنها قوله تعالى(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي)(التوبة : 49)، وقوله : (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ)(التوبة : 58)وقوله : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ )(التوبة : 61)، وقوله : (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ …. الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ)(التوبة : 75ـ79)وقوله : (الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء )(التوبة : 93)، وقال : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى)(التوبة : 107).
    وجواب ذلك أن هذه أوصاف لبعض المنافقين لا لكلهم ، فالله يقول(ومنهم . ومنهم . ومنهم . ومنهم)ويقول(والذين اتخذوا)ومن تبعيضية واسم الموصول وصف مخصص فهو تبعيض أيضاً ، فالمعنى(وبعض منهم . وبعض ثان منهم . وبعض ثالث منهم . وبعض رابع منهم . الخ)هذا ظاهر النصوص القرآنية ، ولا دليل يصرف عن هذا الظاهر ويحصر كل المنافقين فيمن اتصفوا فقط بهذه الأوصاف المحددة فقالوا ائذن لنا أو لمزوا أو آذوا أو عاهدوا أو استأذنوا أو اتخذوا)فلا يزال محتملاً أن يكون هناك بعض آخر أو أبعاض آخرون من المنافقين ليس فيهم ما ذكر من أوصاف ولم يشإ الله أن يكشف أوصافهم ، فاذا عطف الله تعالى على هؤلاء الأبعاض المذكورين بأوصافهم بعضا لم يصفهم ، وأخبر نبيه بأنه لا يعلمهم ، فقال فيهم : (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم)(التوبة : 101)علم أن هذا البعض المعطوف الذي لم يوصف غير تلك الأبعاض التي وصفت ، فإن العطف يقتضي التغاير وإذا كانت المتعاطفات نكرات كان التغاير تغاير ذوات ، كما في قوله : عز وجل(أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ)(البلد : 8ـ9)وكما في قوله هنا(ومنهم . ومنهم . ومنهم . ومنهم . الخ)، فإن المعنى(وبعض منهم . وبعض ثان منهم . وبعض ثالث منهم . وبعض رابع منهم . الخ)، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى لنبيه في منافقين : (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ )(محمد : 30)، وحرف لو حرف امتناع لامتناع كما يعلم أهل العلم بالعربية فهو يعني أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يري نبيه صلعم سيما هؤلاء وبالتالي لم يشأ لنبيه أن يعلمهم .
    وأما استدلالهم بقوله تعالى في سورة محمد صلعم : (ولتعرفنهم) فيبطله أجوبه :
    1 ـ منها أنه لو لم يكن في سياق المقال ما يدل على أن هذا القول قد نزل في بعض المنافقين لا كلهم لكفى في ذلك سياق الحال الذي يحرم حمل كلام الله في موضع على معنى يناقض كلامه في موضع آخر وحمل الوعد الذي في قول ( ولتعرفنهم ) على عموم المنافقين يناقض الخبر الذي في قول ( لا تعلمهم ) ولا مدخل للنسخ هنا لأنهما وعد وخبر والنسخ مجاله الأحكام لا الوعود ولا الأخبار ، فلزم حمله على البعض حتى لا يتخذ القرآن عضين ينقض بعضها بعضا .
    2 ـ ومنها أن سياق المقال ناطق أيضا بأن قول ( ولتعرفنهم ) ليس في شأن عامة المنافقين بل في شأن الذين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم ، وهؤلاء أيضا موصوفون باسم الموصول المخصص ، فهم أيضا بعض لا كل . ولم يحادث كل الصحابة النبي صلعم ولا تحادثوا كلهم بحضرته ، حتى يعرفهم كلهم في لحن قولهم له أو تحادثهم بحضرته . بل حادثه بعض وتحادث بحضرته بعض وبقي بعض لا حادثوه ولا تحادثوا بحضرته ، فإن عشرات الألوف الذين رأوه في حجة الوداع لم يحادثوه كلهم ولا تحادثوا بحضرته كلهم وهم صحابة وفق تعريف الجمهور لمعنى الصحبة ، وهذا ما عناه ابن كثير في تفسيره حين قال " قول (لاَ تَعْلَمُهُمْ)لا ينافي قول (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يُعرَفون بها لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين " اهـ .
    3 ـ ومنها أن الجمهور على أن سورة التوبة نزلت بعد سورة محمد ، ولو قالوا نزل قول ( ولتعرفنهم ) آخرا واستقام لهم أنه يتحدث عن عموم المنافقين لكان لهم أن يقولوا : إن الوعد الذي في قول(ولتعرفنهم) نزل بعد الخبر الذي في قول (لا تعلمهم) وإنه وعد بالعلم بعد الخبر بعدمه فيكون متمسكاً لهم في زعمهم أن كل الصحابة المنافقين كانوا جميعاً معلومين للنبي صلعم ، لكن لا هم قالوا إن التوبة نزلت أولا ولا استقام لهم أن نص سورة محمد يتحدث عن عموم المنافقين .
    ج ـ مناقشة استدلالات الخطيب البغدادي والمعلمي اليماني رحمهما الله
    قال الخطيب في الكفاية ص46 : " عدالة الصحابة رضي الله عنهم ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، فمن ذلك قوله عز وجل(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران : 110)، وقوله(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ )(البقرة : 143)، وهذا اللفظ وإن كان عاماً فالمراد به الخاص وقيل هو وارد في الصحابة دون غيرهم وقوله(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ )(الفتح : 18)، وقوله(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم )(التوبة : 100)، وقوله(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(الأنفال : 64)، وقوله(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم)(الحشر : 8ـ9)، في آيات يكثر إيرادها ويطول تعدادها " انتهى .
    وزاد فيها المعلمي في الاستبصار في نقد الأخبار ( لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) ( التوبة : 117) ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ( الفتح : 29) ( الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) ( آل عمران : 174) ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) ( الحديد : 10) ( إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا ) ( آل عمران : 122)
    وأقول في سبيل الله ما سألقاه جراء الشهادة لله ولرسوله ولكتابه وللصحابة بكشف حقيقة مآل هذا الاستدلال من الخطيب والمعلمي وكشف أنه حق يستدل به على باطل ؛ فالله تعالى في قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ )(التوبة : 101) يخبر نبيه صلعم بأن بعض من يرونه ، من الأعراب حول المدينة ومن مواطنيه أهل المدينة نفسها ، وهم مسلمون في الواقع الظاهر له ، هم في الحقيقة المستورة عنه منافقون ، ويخبره بأنه لا يعرف أنهم منافقون ! .
    ولا يقول أحد بأن هؤلاء المنافقين مقصودون ضمن المقصودين بآيات الثناء الحسن التي ذكرها الخطيب والمعلمي ، لا يقول أحد إنهم بعض خير أمة ، بعض الشهداء على الناس ، بعض الذين بايعوا تحت الشجرة ، بعض السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، بعض من اتبع النبي صلعم من المؤمنين ؟ بعض المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله ، بعض الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان ، بعض الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الذين تاب الله عليهم ، بعض من وعدهم الله مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ، بعض الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ، بعض الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ ، بعض من وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ، بعض الطائفتين اللتين همتا أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا .
    وهؤلاء المنافقون يشملهم معنى الصحابة وفق تعريف الجمهور وهو كل من رأي النبي ساعة واحدة في عمره كله ؟ .
    فكيف نستحل الاستدلال بتلك الآيات الكريمات على كل من بعضهم منافقون ؟ @@@
    د ـ مناقشة استدلالات ابن حبان رحمه الله
    @@@قال ابن حبان في جامعه 1/161 " رضي الله عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة عدول نزه الله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله صلعم عن أن يلزق بهم الوهن وفي قوله صلعم(ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)أعظم الدليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف إذ لو كان فيهم مجروح أو ضعيف أو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلعم وقال ألا ليبلغ فلان وفلان منكم الغائب فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول " انتهى .
    1 ـ أما قوله : ( بيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن صحابي آخر ورواه عن النبي صلعم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه ) فليس بشيء إذ لا يمنع من أن يقال أيضاً(بيقين نعلم أن أحدهم ربما سمع الخبر عن غير صحابي ورواه عن النبي صلعم من غير ذكر ذلك الذي سمعه منه)ذلك لأنه قال : (ربما).
    2 ـ وأما قوله(لأنهم رضي الله عنهم أجمعين كلهم أئمة سادة عدول)فقد أجيب عنه .
    3 ـ وأما قوله : " وفي قوله صلعم(ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)أعظم الدليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف إذ لو كان فيهم مجروح أو ضعيف أو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلعم وقال ألا ليبلغ فلان وفلان منكم الغائب فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول "
    ـ فلو سلمت لابن حبان دعواه دلالة أمر النبي لمن يأمرهم بالبلاغ على تعديله لهم فلن تسلم له دعوى ضمان ألا يبدلوا بعد تعديله لهم تبديلا .
    ـ لنقل نعم أمر النبي لمن يأمرهم بالبلاغ دلالة تعديل لأنه ـ لنقل ـ يعلم أن البلاغ لا يقبل إلا من العدول ولا فائدة من بلاغ الفساق ومثله قوله تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) .
    ـ فهو في نفس المعنى ويجري في ذات المجرى فالبيان للناس يقتضي بلاغا إليهم لأن البيان لن يصلهم إلا بواسطة بلاغ فأمر الله لمن يأمرهم بالبلاغ وبالبيان المقتضي له دلالة تعديل لأنه تعالى يعلم أن البلاغ والبيان الذي يقتضيه لا يقبلان إلا من العدول ولا فائدة من بلاغ وبيان الفساق .
    ـ وقد كان ينبغي على ابن حبان أن يستكمل ليكشف أو ليكتشف أن الله تعالى بعد أن شهد بعدالة من أمرهم بالبلاغ وبالبيان المقتضي له زاد فشهد عليهم أنهم بعد تعديله لهم خانوا وبدلوا فقال فيهم ( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا ) .
    ـ وإذا جاز على من عدلهم الله في آن أن يخونوا بعدها ويبدلوا فكذلك يجوز ذلك على من عدلهم رسول الله .
    ـ لقد كان خيرا لابن حبان وأحسن تأويلا أن يحمل أمر النبي بالبلاغ على أنه عام أريد به الخاصة ، أي العدول فحسب من سامعيه لا كل سامعيه ؛ بقرينة عدم الفائدة في أن يأمر بالبلاغ من لا حجة في بلاغهم .
    هـ : فوائد عن المعلمي
    قال في الاستبصار في نقد الأخبار : ( لو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن من تأخر إسلامه وقلت صحبته يحتاج إلى البحث عنهم لكان لقوله وجه في الجملة ، وأوجه من ذلك من كان من الأعراب ، ويحتمل أنه ممن ارتد عقب وفاة النبي صلعم ، فأما من علم أنه ممن ارتد فالأمر فيه أظهر . أهل السنة لم يدعوا عصمة القوم ، بل غاية ما ادعوه أنه ثبت لهم أصل العدالة ثم لم يثبت ما يزيلها ، و المخالف يزعم أنه قد ثبت عنده في حق بعضهم ما يزيل العدالة ، فانحصر الخلاف في تلك الأمور التي زعمها ، فإذا أثبت أهل السنة أنها لم تصح وأن ما صح منها لا يقتضي زوال العدالة استتب الأمر . من لم تثبت صحبته إلا بقوله حكمه حكم التابعين في البحث عن عدالته ، لأنها لا تثبت صحبته حتى تثبت عدالته ) .
    و : من ص المطبوع رقم ثالثاً : عن عدالة الصحابة رضي الله عنهم :
    في محاورة محاور ذكر الآية : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وقال : ( وسطاً هنا بإجماع أهل اللغة والمفسرين معناها عدولاً ) ، وهو يعني بالعدالة المصطلح الحديثي ، الذي هو الصدق ، الذي هو عدم الكذب ، لا الحقيقة اللغويةَ ، التي هي التوسط بين طرفين .
    وأقول أولاً : لا أعلم أحداً قبله ، ادعى الإجماع في معنى الوسط هنا .
    أما المفسرون ، فقال الرازي : ( اختلفوا في تفسير الوسط ) . وقال أبو حيان : ( اختلفت الأقاويل فقيل . . . وقيل . . . وقيل . . . وقيل . . . ) وقال الطبري : ( أرى الوسط في هذا الموضع ، هو الذي بمعنى الجزء ، الذي هو بين الطرفين ) . وقال القرطبي : ( المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض ، كذلك جعلناكم أمة وسطاً ، أي دون الأنبياء وفوق الأمم ) .
    وهذا المعنى الذي ذهب إليه الطبري والقرطبيّ وغيرهما ، غير المعنى الذي زعم المحاور الإجماع عليه .
    وأما من قال منهم : ( إن وسطا هنا معناها عدولاً ) ، فقد اعتمدوا على روايات ، منسوبة إلى النبي صلعم .
    وقد نظرت أسانيدها من خلال 21 كتاباً ، من كتب السنن والجوامع والمسانيد والأجزاء ، من خلال المسند الجامع لها ، إضافة إلى صحيح ابن حبان ومسند أبي يعلي ومصنف ابن أبي شيبة ، وتفاسير الطبري وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وسعيد بن منصور وسفيان الثوري ، فألفيتها كلها مقاطيع . مراسيل وتدليسات لا يصح نسبة أي منها إليه صلعم .
    وأما اللغويون ؛ فقال في المفردات : "وسط الشيء ما له طرفان متساويا القدر ، والوسط تارة يقال فيما له طرفان متساويا القدر ، والوسط تارة يقال فيما له طرفان مذمومان كالجود الذي هو بين البخل والسَّرف ؛ فيستعمل استعمال القصد ، المصون عن الإفراط والتفريط ، فيمدح به نحو : السواء والعدل والنصَفَة ، نحو : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) .
    وقال في تاج العروس : "الوسَط من كل شيء أعدله . ويقال : ( شيء وسَط ، أي بين الجيد والرديء ، ومنه قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) . قال الزجاج : ( فيه قولان : عدلاً وخياراً ) . ووسَط الشيء ما بين طرفيه .
    ولابن برِّي : ( الوسط اسم لما بين طرفي الشيء ، كقولك قبضت وسَط الحبل ، وجلست وسَط الدار . والوسط قد يأتي صفة كوسط المرعى خير من طرفيه ، وكوسَط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب ، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي عدلاً . فهذا تفسير الوسًط وحقيقة معناه ، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء ) " اهـ .
    وكما هو واضح فإن اللغويين يعنون بالعدالة الحقيقة اللغوية ، التي هي التوسط بين طرفين ، لا المصطلح الحديثي الذي هو الصدق ، الذي هو عدم الكذب .
    وأقول ثانياً : الصواب أن الوسط معناه الجزء ، الذي هو بين الطرفين ، معنى الآية في سياقها عندي والله أعلم ، هو : (لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ( البقرة : 142 ) ، أي مستقيم بين هذا المغرب وذاك المشرق ، ( وكذلك* ، أي تلك الهدى ، أي الإرشاد ، أي المنهاج والأسلوب في الإرشاد (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، أي متوسطين بين طرفين ، طرف أعلى وطرف أدني ، طرف أعلى هو رسول الله ترونه ويراكم ، وطرف أدني هم الناس بعدكم ترونهم ويرونكم ، ولا يرون الرسول صلعم ولا يراهم ؛ (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ، أي على هؤلاء الناس ؛ فتبلغوهم ما بلغكم من الهدى ، (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ؛ فيبلغكم ما بلغه من الهدى .
    ثم كذلك سنجعل هؤلاء الناس أمة وسطاً ، بينكم وبين من بعدهم ، ممن لن يروكم ولن تروهم ؛ لتكونوا شهداء على هؤلاء الناس ، ويكونوا هم شهداء على من بعدهم . وهكذا دواليك . فكل وسط حلقة في سلسلة ، يشهد عليه من فوقه ويشهد هو على من تحته ؛ لتبقى وسيلة الناس إلى الهدى حية ، وحجة الله بالتالي عليهم باقية .
    وهذا هو المعنى الذي يحفظ للسياق جدواه ، ولكل لفظة فيه وظيفتها . فالكاف شبهت ، واللام عللت ، والسياق انسببك ، وحلقاته اتصلت ، بلا نفور من لفظ ، ولا فطور في معنى ، ولا اتهام لله بمحاباة أمة على أمة ؛ لمجرد التأخر في الزمان والوسط في مكان ، بنصوص منسوبة إلى الرسول صلعم ، بأسانيد مقاطيع ، تدليسات ومراسيل ، يحسبها الظمآن ماء ، حتى إذا جاءها لم يجدها شيئاً ، ووجد الله تعالى عندها يقول : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ( الحجرات : 13 ) .
    ومثله قوله تعالى : (وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ( الحج : 78 ) ، وهو بمعنى الأثر : ( تسمعون ، ويُسمع منكم ، ويُسمع ممن يسمع منكم ) .
    إنني أحاول فهم القرآن ، فهماً لا يعطل أي حرف من حروفه ، ولا يشوه أي جزء من سياقه ، ولا يدع فيه أي غريب عن نسيجه . فإن أصبت فمن الله ، وله الفضل والمنة ، وإن أسأت فتنزيه الرحمن قصدت ، وإحسان الفهم عنه أردت .
    17- ذكر الآية : (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) ( التوبة : 115 ) ، مستدلاً بها على أن الله قد بين لنا ما نتقي في الصحابة .
    والباحث عن الحقيقة يقول : أين بين الله ذلك؟ . . أين بين الله ما نتقيه من الخلط ، بين الذين رأوا النبي صلعم وهم مسلمون ظاهراً وباطناً ، والذين رأوه ، وهم مسلمون ظاهراً ، وكافرون باطناً؟ . .
    ز : الخلاصة
    1 ـ يلزمنا تحرير تعريف لمعنى الصحبة لا يشمل المنافقين ، لتحل لنا الشهادة بعدالة كل معدود الصحابة .
    2 ـ كل المقصودين بآيات الثناء الحسن المنوه بهم في القرآن صحابة عدول ، ولكن :
    ـ هل لدينا ديوان موثوق مسجل به أسماء هؤلاء فردا فردا تسجيلا يمنع أن يعد فيهم من ليس منهم ؟
    ـ أو هل لدينا تعريف محدد جامع لهم مانع لغيرهم أن يعد فيهم ؟
    ـ الجواب : لا .
    3 ـ إن فيما تقدم وفيما قد يقع غيري على مثله لآيات بينات كافيات على خطأ الجمهور في غلوهم في شأن الصحابة . والصواب والنصيحة لله ولدينه وللناس وللصحابة أنفسهم هو أن نعدل فنقول : نعم كان عدول الصحابة إلى فساقهم أكثر كثيراً كثيراً من عدول من بعدهم إلى فساقهم وكان الصدق في الصحابة أشد كثيراً كثيراً منه فيمن بعدهم لكنهم لم يكونوا كلهم أجمعون عدولاً ولا كان الصفاء فيهم صفاء مطلقاً ، فلا جرم أن زمانهم بعد وفاة الرسول أصابه الكدر لا سيما مع وقعة صفين وبعدها ثم اشتد الكدر بعدهم(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)(الحشر : 10).@@@

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 12:46 am