منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

منتدى متولي إبراهيم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى متولي إبراهيم صالح

بحوث في الدين والسياسة


    جدوى هذا البحث ((1))

    متولي إبراهيم
    متولي إبراهيم
    رئيس الصفحة
    رئيس الصفحة


    المساهمات : 108
    تاريخ التسجيل : 05/10/2011

     جدوى هذا البحث ((1)) Empty جدوى هذا البحث ((1))

    مُساهمة من طرف متولي إبراهيم الخميس نوفمبر 17, 2011 3:01 pm

    الباب الثاني جدوى هذا البحث وما قد يحرره من أصول
    آخر تحرير 20/9/2011
    الفصل الأول : بعض ما يتفرع من هذه الأصول
    أولا ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) .
    إن القول بأن القرآن لا ينسخه غيره يترتب عليه بقاء ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ( ) محكمة ، وبطلان نسبة الآثار الآمرة بقتال الناس كي يدخلوا في الإسلام ، نحو : [أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . . . الأحاديث] ، إن كان المعنى : [أُمرت أن أقاتل الناس لأجل أن يشهدوا] ، ويترتب عليه بطلان نسبة أي خبر ينسب إلى رسول الله صلعم أو إلى أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في قتال الكافر بالله لكفره . وأما النصوص القرآنية التي زعم الجمهور أنها نسخت ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ، فما هي بناسخة ، ويجلى حقيقة ذلك تدبرها .
    انظر التفاصيل بالباب الـ #
    ##
    ثانياً : لا حد ردة في الإسلام .
    أي إنها باطلة نسبة الآثار الآمرة بقتل المرتد المسالم ، نحو : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ، إن كان المعنى : ( من كفر بالله بعد إسلامه فاقتلوه ) ، وباطلة نسبة أي خبر ينسب إلى رسول الله صلعم أو إلى أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم في قتل المرتد عن الإسلام لمحض ردته ، وجلاء ذلك بتدبر النصوص القرآنية التي تحرم التعرض بسوء للمرتد المسالم كما يلي :
    انظر التفاصيل بالباب الـ #
    ##
    ثالثاً : لا جزية على امتناع أهل الكتاب عن دخول الإسلام .
    إن القول بأن القرآن لا يبينه غيره يترتب عليه بطلان نسبة الآثار الآمرة بفرض الجزية على أهل الكتاب عقوبة لهم على عدم إسلامهم ، وبطلان نسبة أي خبر ينسب إلى رسول الله صلعم أو إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي في فرض الجزية على غير المسلمين لعدم إسلامهم . أما آية الجزية ، فلا جرم أنها دالة بالتصريح على أمر بقتال لأجل الجزية ، ودالة بالإيماء على قتال الموصوفين بأنهم أهل كتاب لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق . ومفهوم المخالفة المستنبط من هذا الوصف هو تحريم قتال من يؤمنون ويحرمون ويدينون ، فيكون سبب قتالهم امتناعهم عن اعتناق ملة الإسلام ، ويكون مقصود القتال إرغامهم على إعطاء الجزية عن يد وهو صاغرون .
    وهذا المقصود وذلك السبب مناقضة لقوله تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، فيكون منسوخاً بآية الجزية إن صح ذلك السبب سبباً لها .
    لكن الامتناع عن اعتناق ملة الإسلام ليس هو سبب آية الجزية ، ومن هنا نشأ الخطأ -والله أعلم- في تأويل الآية ، واختلقت الآثار بشأنها على رسول الله صلعم وصحابته رضي الله عنهم من بعده ، إشباعاً لشهوات ملوك بني أمية في الاستبداد والغزو والسيطرة ؛ فتحولت من سبق تشريعي وإعجاز اجتماعي ، إلى سيف سلطه سلف المسلمين على سلف الناس صدوهم به عن سبيل الله أمس ، حتى دال الزمان وضعف القوي وقوي الضعيف ؛ فرد خلف الناس لخلف المسلمين الصاع صاعين ولا يزالون إلى اليوم .
    انظر التفاصيل بالباب الـ #
    ##
    رابعاً : حل الاقتراض بالربا رغم حرمة الإقراض به له تكمل ص121 س22 #
    اضطرار إلى مقالة في الربا قبل الاستواء
    1 ـ دهمتني مسائل في أصول الدين وفروعه ، فلم أستطع ولا أستطيع منها فكاكاً ، حتى أستجلي وجه الحق فيها ، فاعتزلت الناس ولا أزال كي لا أفتنهم بها ، فأنا لا أعظ ولا أفتي ولا أعلم أحداً ، حتى ولا ألفاظ القرآن ، ولا يسألني طالب علم إلا وأؤكد له أنها مسائل قيد البحث لم أصل فيها بعد إلى يقين .
    2 ـ لكني ابتليت بأحد من ( إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول صلعم وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) ، فاستدرجني فعرف بعض سري ، فطفق يذيعه بين الأغرار ، بلا بيان مني ولا تبين منه ، ولا حجة يقيمها أو يجيء بمن يقيمها علي .
    3 ـ والأمر أني اضطررت فاستحييت ، أو لم أتوقع أن يقرضني أحد مبلغاً كبيراً قرضاً حسناً أو إلى أجل ، فاقترضت قرضاً ربوياً ، والله تعالى يقول : (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ) ( النحل : 106 ) ، ويقول : (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ( الأنعام : 119 ) ، ويقول : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ( البقرة : 173 ) .
    4 ـ وقد خفف من حرجي -فضلاً عن الاضطرار أني نظرت القرآن فلم أجده يتوعد موكل الربا بشيء ، إنما وجدت وعيده منصباً على الآكل دون الموكل فيقول (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا) ( البقرة : 275 ) ، ويقول : (وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) ( البقرة : 278 ) ، ويقول : (لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا) ( آل عمران : 130 ) ، ويقول : (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) ( البقرة : 188 ) .
    5 ـ كما خفف من حرجي -فضلاً عن الاضطرار- أني نظرت في الآثار المنسوبة إلى رسول الله صلعم في توعد موكل الربا فلم أقتنع بصحة نسبة أي منها إليه ؛ إذ بدت لي تدور : إما على معدود في الصحابة ولم يصح لي أنه منهم فهو إذن تابعي مجهول ، أو على راو لم أجد من وثقه توثيقاً حقيقياً فهو إذن مجهول ، أو على مدلس لم يصح لي تصريح منه بسماع فطريقه إذن منقطعة ، أو على مجروح في ضبطه أو عدالته فنقله إذن باطل .
    6 ـ أما قوله (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ( المائدة : 2 ) ، فلا تزال دلالته بشأن المسألة خافية علي ؛ لأن الله تعالى قد ميز بين حقوق خالصة له ، كالصلاة والصوم والحج ، فاستأثر بحق العفو عنها أو العقوبة عليها ، وبين حقوق أخرى ، كالقصاص والدين ، فخص أولياء لها من العباد بحق العفو عنها أو التمسك بها ، فبدا لي أن الربا منها وأن عفو موكل الربا عما أعطاه كعفو المسلوب منه بغير رضاه عما سلب منه وهو قادر على استرداده ، وكعفوا الدائن وأولياء القتيل عن الدين والقصاص والدية وهم قادرون ، وبدا لي أن الله قد حرم الربا كما الغصب والقتل لا لأجل نفسه تعالى ، وإنما لأجل من سيكونون الضحايا ، وهم المأكولون كما المسلوبون والمقتولون .
    7 ـ وقد نظرت مقالة ابن آدم الأول : (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) ( المائدة : 28 ) ، فبدت لي استسلاماً صريحاً للقاتل خالياً من أي مقاومة ، ولم أجد القرآن في معرض ذكره يتوعده ، ولا حتى يعتب عليه استسلامه ؛ فبدا لي أن حال المظلوم والمستسلم لظالمه -آكل الربا أو سالب الحق أو سافك الدم- ليست تعاوناً على الإثم والعدوان كحال الظالم المتعاون مع ظالم مثله على ظلم غيرهما .
    8 ـ لكني لا أدعي أني كنت مطمئن القلب لهذا الذي بدا لي وذكرته بشأن موكل الربا غير المضطر ، فأنا لم أحرر المسألة بعد ؛ لأنها لا هي حالي فأضطر إلى التعجيل بتحريرها ، ولا هي في نفسها ذات أولوية عندي فأنشغل بها عما هو أولى عندي الآن منها .
    9 ـ لكني أحسب ربي قد أطلع على كمال صدقي في طلب الحق ، وجميل صبري على هذا المذيع ، فخصني فجر الجمعة 10/4/1998م من كتابه ببرهان في المسألة أحسبه قطعي الدلالة عليها ولا أعلم أحداً سبقني إليه ، في قوله تعالى (فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) ( البقرة : 279 ) ، فإعلان الحرب على آكل الربا من الرسول ، يقتضي إعلانها من كل مسلم نصرة لله ورسوله ، ومحاربته تتضمن بالضرورة مقاطعته . فلا نامت أعين المتنطعين المتعصبين ، الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ، أو شيوخهم وعبادهم أرباباً من دون الله ، وقالوا : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) ( الزخرف : 23 ) ، ولو جاءهم أهدى مما وجدوا عليه آباءهم أو سلفهم ، واللهم سماحة أشهد بها لغيري ، وشجاعة أقر بها على نفسي ، وهذا ما بدا لي ، وكتبته عصر الاثنين 13/4/1998م فمن أبدى لي أهدى مما بدا لي تبعت ما هو أهدى .
    من ص المطبوع رقم 121ثامناً : عن مسألة الربا :
    33- قرأ عنوان مقالي : ( حل الاقتراض بالربا رغم حرمة الإقراض به ) ؛ فلم يعقب إلا بقوله : ( واحد مفلس وعاوز يستلف فلوس ويحللها لنفسه ) .
    وأقول : لا جرم إذا صح خبر : ( لعن الله آكل الربا وموكله ) على قواعد التصحيح الحقة ، من طرق رواة موثقين بشهادة ، فلسوف أرجع عما رأيت ، وأستغفر ربي مما جنيت . إي وربي لأفعلنّ .
    أما الآن فلا يبدوا لي أي فرق ، بين المأكول رباه والمسروق ماله ، والمقتولة نفسه والمغصوب حقه .
    فإذا قيل للمأكول حرام عليك أن أكلك الآكل ؛ لزم أن يقال للمسروق منه ، حرام عليك أن سرقك السارق ، وللمقتول حرام عليك أن قتلك القاتل ، وللمغصوب حرام عليك أن غصبك الغاصب .
    خامساً : حل الزينة وطيبات الرزق .
    إن القول بأن التوثيق المطلق بالسبر الجزئي باطل ، وأن التوثيق المطلق لكل معدود في الصحابة باطل ، وأن قبول ما لم يصرح بسماعه من دلس مرة باطل ، يترتب عليه البراءة من الآثار التي تتعارض مع آيات الله المنشورة في الآفاق والأنفس ، وإن لم تتعارض مع آيات القرآن المسطورة في المصحف ، ويترتب عليه البراءة من الآثار التي تتعارض مع الإباحة الأصلية ، والمصالح المرسلة التي يستحسنها الناس ، ويرونها تلبي ضرورات العمران والمدنية ، وتحقق طموحاتهم في التمتع بزينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق .
    سادساً : إنصاف أهل الكتاب .
    أ ـ ترقب رحمة من الله باليهود : له تكملة ص125س25#
    بد لي في القرآن الكريم بشرى لليهود في قوله تعالى في سورة الإسراء : (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا . عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ) ( الآية : 7/8 ) .
    فالخطاب لبني إسرائيل ، والأداة ( إذا ) لابد لها من شرط وجواب ، أما الشرط فهو الفعل ( جاء ) ، وأما الجواب فهو الفعل ( عسى ) ، وليس في السياق جواب غيره ، ولا يجوز الانصراف عن الجواب المصرح به في السياق إلى جواب يقدر إلا بقرينة صارفة ، ولا قرينة صارفة . وهذا الجواب وعد من الله تعالى برحمة منه يحتمل أن تنالهم ، بعد إفسادتيهم وعقوبتهم عليهما .
    الباب الثاني جدوى هذا البحث وما قد يحرره من أصول
    الفصل الأول بعض ما يتفرع من هذه الأصول
    سادساً : إنصاف أهل الكتاب . بمزيد تحرير في 11/9/2011
    ب- حكم زواج المسلمين من غير المسلمين .
    قوام الزواج سكن ومودة ورحمة ، قال تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً [30/الروم21]) وبدون السكن والمودة والرحمة لا قوام لزواج ، والمودة والرحمة قوامهما توافق الرؤى والقناعات في الحياة ، وكلما زاد توافق القناعات زادت المودة والرحمة ، وكلما نقص نقصتا ونشأ النفور ، فإذا كان موضوع القناعات يتعلق بما هو مقدس كان تأثير الوفاق أو الخلاف أشد ، ولأنه لا أقدس من الدين فإن اختلاف القناعات حول الدين يولد نفورا أكبر من النفور الذي ينشأ عن اختلاف القناعات حول ما دونه ، ومن أجل هذا لا يشيع الزواج بين المختلفين في الدين إلا إذا ضعفت قناعة كل طرف بدينه ، فلا نعلم زواجا بين رجل دين وبين ابنة رجل دين آخر ، أو بين رجل شديد الالتزام بدين وامرأة شديدة الالتزام بدين آخر ، وإنما نعلم زواجا بين رجل ضعيف الالتزام بدينه وامرأة ضعيفة الالتزام بدينها المغاير لدين زوجها ، ولكن ربما تحاب رجل وامرأة ووثق كل منهما أن الآخر باحث عن الحقيقة مستعد أن يسلم لمن يأتيه بخير مما هو عليه ورغب كل منهما في الزواج من الآخر على أمل أن يهديه إلى ما يعتقد أنه الحق أو أن يبحثا معا عما لعله يكون خيرا مما كلاهما عليه ، هذا ممكن وربما يقع لكن وقوعه نادر .
    ومن المعلوم أن القرية التي يكون فيها دينان يكون ظاهر التدين فيها من طرفيهما أشد مما لو كان كل منهما مستقل بقرية منفرد بها ، وشدة ظاهر هذا التدين بين هذين الطرفين قد تنشأ عن تعصب جاهلي ناشئ عن تحد ناشئ عن شراكة الآخر له في القرية ، وقد تنشأ أيضا ولكن عن وعي ديني ناشئ أيضا عن تحد ناشئ عن شراكة الآخر له في القرية ، وقد تنشأ في طرف عن التعصب وفي الآخر عن الوعي .
    كل هذا معلوم ومقدر ومفهوم ، وكله ناطق بأن الزواج بين المختلفين دينا وقوعه نادر ، وإذا وقع ففشله غالب ، والإقبال عليه مغامرة خطرة على حياة من ينشدون حياة سعيدة آمنة .
    وحين نتدبر الإسلام نجده قد حكم في مسألة زواج المسلمين والمسلمات من المشركات والمشركين بحكم ملزم أمرنا فيه ونهانا فرضا وتحريما .
    ولأنني مسلم مؤمن فإن هذا عندي يعني أن الله تعالى يعلم أن هذا الحكم هو الأصلح لنا ، ويعلم أن عقولنا أعجز عن إدراكه ، ويعلم بالتالي أن أهواءنا ستورطنا في اتخاذ الخيار الخاطئ بشأن هذه المسألة ، ومن أجل هذا أمرنا فيها بما أمر حكمة منه ورحمة بنا .
    وفي المقابل نجد الإسلام قد تركنا نختار لأنفسنا بمحض إرادتنا في مسألة زواج المسلمين والمسلمات من الكتابيات والكتابيين دون حكم ملزم بفرض أو تحريم أو حتى باستحسان أو كراهة .
    ولأنني مسلم مؤمن فإن هذا عندي يعني أن الله تعالى يعلم أن عقولنا قادرة على إدراك الخيار الأصلح بشأن هذه المسألة ، ومن أجل هذا رفع عنا الحرج ، فجعلنا في حل من أن يأمرنا ، مكتفيا بحكم الجواز والحل الذي يعني سواء بسواء جواز وحل القبول وجواز وحل الرفض معا ، وفق كل حالة بعينها ، كل يختار لنفسه بمحض إرادته حكمة منه ورحمة بنا أيضا.
    وهكذا يلتقي الإسلام مع دلالة العقل ويتفقان على عدم استحالة الأمل في خير ربما ينشأ عن زواج بين مختلفين دينا ، رغم خطورة التبعة التي أشار القرآن إليها بقوله التحذيري الحكيم (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [05/المائدة5]) وبسبب هذه الخطورة وندرة الأمل في أن ينجح الحوار بعد الزواج فيما فشل فيه قبل الزواج لم ينقل إلينا أن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قد تزوج من غير مسلمة قبل دخولها الإسلام لا هو ولا أي من صحابته ، وأما ما يروى عن الصحابة عن جابر بن عبد الله أن صحابة تزوجوا وعن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد الله وعثمان بن عفان أنهم تزوجوا من غير مسلمات فغير صحيح
    أما عن جابر فمن طريقين إحداهما لأبي الزبير ( ) وهو مدلس معنعن ( ) والأخرى لابن جريج ( ) وهو مدلس معنعن ( )
    وأما عن حذيفة فمن طرق طريقان يدوران على شقيق بن سلمة ( ) وهو مدلس معنعن ( ) والثالثة عن جار لأبي حذيفة ( ) وهو مجهول جهالة عين والرابعة عن عمرو مولى المطلب عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ( ) وعمرو ضعيف ( ) والأشهلي مجهول ( ) والخامسة قال البيهقي في إسنادها (غير ثابت ) وهو عن معبد الجهني عن امرأة مجوسية لحذيفة ( ) ومعبد لم يلق حذيفة ( ) فكيف يلقى امرأته المجوسية في حياته ولا يعلم لحذيفة في كتب الجرح والتعديل امرأة إلا أخت ربعي بن حراش قيل كوفية تابعية ثقة أي غير مجوسية
    وأما عن طلحة فمن طرق إحداها عن عبد الله بن وهب عمن فوقه عن عمرو مولي المطلب ( ) وابن وهب مدلس معنعن ( ) وعمرو ضعيف ( ) وسائرها يدور على أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم ( ) وأبو إسحاق مدلس معنعن ( ) وهريم ضعيف ( ) وطريق
    وأما عن عثمان فمن طريقين إحداها عن عبد الله بن السائب من بني المطلب ( ) وهو مجهول ( ) والثانية عن عبد الله بن وهب عمن فوقه عن عمرو مولي المطلب ( ) وابن وهب مدلس معنعن كما ذكر وعمرو ضعيف كما ذكر
    هذا فضلا عن عيوب أخرى في الأسانيد يغني عن ذكرها ما ذكر
    نعم يلتقي الإسلام مع دلالة العقل ويتفقان على عدم استحالة الأمل في خير ربما ينشأ عن زواج بين مختلفين دينا .
    فربما رأى مسلم في يهودية أو نصرانية مصداقية في البحث عن الحقيقة ، وتوسم فيها أملا أن تقتنع بما يعتقد هو أنه الحق من خلال الحوار ، ولم يتهيأ له هذا الحوار إلا من خلال عش الزوجية ، فإن القرآن يخبره أنه لا حرج من زواجها إن شاء ، فإن تزوجها فإن له البقاء معها مهما طال الحوار ، طالما بقي على أمله ولم يشكل بقاؤه أو إطالة أمد الحوار معها خطرا على ممارسته لدينه .
    وربما رأت مسلمة في يهودي أو نصراني مصداقية في البحث عن الحقيقة ، وتوسمت فيه أملا أن يقتنع بما تعتقد هي أنه الحق من خلال الحوار ، ولم يتهيأ لها هذا الحوار إلا من خلال عش الزوجية ، فإن القرآن يخبرها أنه لا حرج من زواجه إن شاءت ، فإن تزوجته فإن لها البقاء معه مهما طال الحوار ، طالما بقيت على أملها ولم يشكل بقاؤها أو إطالة أمد الحوار معه خطرا على ممارستها لدينها ، فإن خشيت أن يكرهها في دينها ـ وهو أمر غير مستبعد لخلو تعاليم تراثه من أي نص يحذره من ويردعه عن إكراهها في الدين كما في نصوص قرآننا بل وتضمنها نصوصا صريحة في الإكراه في الدين ـ وجب عليها الطلاق منه .
    أعلم أن جمهورا إسلاميا عريضا يستغرب هذا ويلزمني أن أجيبه وسأجيب فورا بأدلة ثبوت قرآنية لا بمجرد أصل الإباحة مستعينا بقواعد لغوية وفقهية وحديثية بنيت عليها ما توصلت إليه فمن أراد أن يبطل ما بنيته فعليه قبلها أن يبطل ما بنيت عليه وتفاصيل بيان ذلك كما يلي :
    ج- حكم زواج المسلمة بغير المسلم . له تكملة ص104#
    لقد أنصف القرآن الكتابيين من المسلمين وأنصف المسلمين من الكتابيين أنصف الكتابيين فأحل زواج الكتابي من المسلمة باعتبار وأنصف المسلمين فحرمه باعتبار آخر فإن تحقق اعتبار التحريم رجح التحريم وإلا بقي الأصل على ما هو عليه وهو الحِل . أما الحل فيرجع أساسا إلى نزاهة القرآن عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين وأما الحرمة فترجع إلى نصوص في القرآن لا يوجد ما يناظرها في العهدين القديم والجديد ولو وجد فيهما ما يناظرها لما كان وجه للتحريم ولكنهما خليا من هذه النظائر بل وحفلا كثيرا شديدا بما يناقضها . إنها النصوص القرآنية في تحذير المسلمين من إكراه غير المسلمين في الدين ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22]) ( مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45]) ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99]) (مَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [18/الكهف29])
    فهذه النصوص تشكل ضمانة لبناتهم ألا يكرههن المسلمون في الدين بينما لا يدع خلو العهدين من نظائرها بل واحتفالهما بنواقضها أملا ولا ثقة ولا ضمانة لبنات المسلمين ألا يكرههن الكتابيون في الدين .
    والخلاصة التي سننتهي إليها في نهاية المطاف هي أن أدلة الحرمة لم تدع لأدلة الحل سوى فائدة واحدة هي تنزيه القرآن عن الكيل بمكيالين لو أباح الكتابية للمسلم وحرم المسلمة على الكتابي ولهذا قال لي رؤساء النيابة في التحقيق لما أحالني إليهما نظام اللا مبارك البائد متهمني بازدراء دين الإسلام ( ياه ع المعنى اللي انت عايز توصله يا شيخ فلان ) فالقرآن قد أنصف الكتابيين من المسلمين بحل هاتين الحالتين معا وأنصف المسلمين من الكتابيين بعدم تعريض المسلمات لمخاطر عهدين يخلوان من أي ضمانة للمسلمات إذا تزوجن الكتابيين بل ويحفلان كثيرا شديدا بنصوص مرعبة في الإكراه في الدين وفي إقصاء الآخرين واستئصالهم نصوص تشكل خطرا ماحقا عليهن إذا تزوجن بكتابيين . فإن قالوا لن نطبق هذه النصوص رغم إيماننا بها دينا قلنا ستخرجون إذن على تعاليم دينكم وتقتربون من حال آخرين لا يحل للمسلمين أصلا نكاح نسائهن ، وإن قالوا نحن متمسكون بديننا لكننا نشك في صحة نسبة هذه النصوص إليه ولعلها دست فيه بيد أو أيادي ملحدة في ليلة أو ليالي مظلمة قلنا فهلا أبلغتم شوط الإنصاف مداه واصطحبتم هذه الأريحية في نقد نصوص غيرها كثيرة في العهدين القديم والجديد ؟ ! وسوف نبدأ بأدلة الحل ثم نثني بأدلة الحرمة كما يلي
    أما نص الحل فقوله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) ( المائدة : 5 ) .
    والسياق اللغوي للآية والله أعلم هو : ( اليوم أحل لكم ) سائر ( الطيبات ) التي كانت لا تزال حراماً عليكم حتى نزول هذه الآية لا كلها لأن بعضها كان حلالا قبل يوم نزول هذه الآية ( وطعام ) ( الذين أوتوا الكتاب ) أي ذبيحتهم ( حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات ) حل لهم إذا آتوهن أجورهن محصنين غير سافحين ولا متخذي آخذان ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) حل لكم ( إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي آخذان ومن يكفر بـ ) براهين ( الإيمان فقد حبط عمله ) .
    تحرير المقال في الآية :
    لقد بعث النبي محمد صلعم في أمته ـ أي أهل زمانه ـ بحال قال فيه ربه جل وعز (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) ( الأعراف : 157 ) ، وقد جاء هذا الخبر في سياق خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام على الجبل لما أخذت الرجفة قومه ولأن الله سيحرم بعد هذا الخطاب بعض الطيبات على بني إسرائيل بظلمهم ، كما قال فيما بعد : (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً) ( النساء : 160 ) ، كان إخبار موسى قبل التحريم بخبر الحل الذي سينزل بعد التحريم مع بعثة محمد صلعم كان هذا الإخبار تبياناً من الله تعالى لموسى ولبني إسرائيل بعض فضائل بعثة محمد صلعم حين يبعث . وهكذا أخبر الله موسى أنه سيبعث النبي الأمي بحل ما سيحرمه عليهم بظلمهم ثم حرمه عليهم بظلمهم ثم بعث محمدا ليحله لهم مرة أخرى .
    ولقد بعث النبي صلعم وقد ورث أهل الكتاب حرمة ما حرم على أسلافهم من الطيبات فكانت سنة عملية شائعة متوارثة بينهم فأصاب غيرهم ومنهم العرب بعضها بالجوار ، فقلدوهم في تحريمها على أنفسهم ، حتى رحم الله الناس ببعثة محمد فحصر المحرم من الطعام قي قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ( المائدة : 3 ) ، ثم نص على حل ما دون ذلك ومنه ما كانت حرمته سنة عملية منتشرة بين أهل الكتاب وبين غيرهم ومنهم المسلمون تقليدا منهم لأهل الكتاب ، فهذا قول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) ، أي سائر ما لم يكن حلالاً ، إذ أن بعض الطيبات كان حلالاً قبل اليوم ، فيفهم من ذلك أن المعنى سائر الطيبات .
    ثم كان المسلمون يتحرجون من ذبائح أهل الكتاب فيحرمونها على أنفسهم ، فأحلها القرآن لهم ؛ فذلك قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ) . ثم إما أن المسلمين كانوا يتحرجون من إطعام ذبائحهم لأهل الكتاب فأسس الله لهم الحل ، وإما أنه تعالى رغم الحل أكد على المسلمين فنهاهم عن حجب ذبائحهم عن أهل الكتاب إذا رغبوها ؛ فذلك قوله تعالى (وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ) ، فليس هذا خطاباً لأهل الكتاب بتشريع الحل ؛ كيف وهم غير مؤمنين بالقرآن أصلاً . ثم إن المسلمين كان التزاوج مع أهل الكتاب حراماً عليهم مشمولاً بنص قوله تعالى (فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [60/الممتحنة10]) وقوله (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [60/الممتحنة10]) ، فأحله تعالى فقال (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ) . وهذا بيت القصيد وغاية المرام ومنبع الدلالة في هذا المبحث .
    إنه مبتدأ خبره محذوف ، والمحذوف يقدر من سياق نص أو سياق حال أو جماع السياقين ، وتقدير الخبر إما : ( حل لكم ) ، أي للمؤمنين ، وهذا ما عليه الجمهور ولا أعلم له مخالفاً إلا بعض المتأخرين ومنهم الدكتور محمد حسن الترابي مطلقا والدكتور يوسف القرضاوي بقيود ، وإما ( حل لهم ) ، أي لأهل الكتاب ، وهذا ظاهر القرآن لما يلي :
    1 ـ لأن أقرب مذكور هو الأولى بأن يقدر الضمير المحذوف منه ، وأقرب مذكور هنا هو ضمير أهل الكتاب .
    2 ـ ولأن المحصنات من المؤمنات كن حلالاً للمؤمنين قبل نزول هذه الآية ، فلا فائدة من ذكرهن في سياق الامتنان بما حل الآن مما كان حراماً أمس ، والتوجيه الذي يجعل للكلام فائدة أولى من التوجيه الذي يجعل الكلام عبثاً بلا فائدة .
    3 ـ ولأن محض فارق الأنوثة والذكورة ليس فيه ما يرتب تغيراً في الحكم ، فيحل للمسلم ويحرم على المسلمة .
    4 ـ ولأن هذا هو التأويل المنسجم مع إنصاف القرآن وعدله وإعجازه الاجتماعي والتشريعي .
    5 ـ ولأنه لا توجد قرينة حال ، ولا قرينة نص قرأني آخر ، تغلب ظاهر قرينة النص القرآن في هذه الآية .
    قالوا : هو توطئة لذكر الكتابيات . والصواب أن التوطئة دعوى لا دليل عليها ولا دافع إليها إلا الضيق بالإنصاف .
    فإن قيل ذكر المؤمنات تأكيد ، قيل التأسيس مقدم على التأكيد ؛ لأن التأسيس أصل والتأكيد فرع ، ولا يرغب عن الأصل إلى الفرع إلا بقرينة مانعة من أرادة الأصل دالة على إرادة الفرع ، ولا قرينة .
    وكنت في 3/6/1996م قد علقت على مداخلة بجريدة "المسلمون" في 30/5/1996م فقلت ما نحوه : " قد يكون مصيباً وله أجران أو مخطئاً وله أجر ، من يفتي بحل زواج المسلمة من كتابي عفيف موثوق في خلقه وعهده أن يراودها على دينها بالإكراه ، لاسيما إذا حرر لها ضماناً معترفاً به في قوانين مجتمعه الذي ستعيش هي معه فيه ، ولا يضلل من يفتي بذلك بله أن يكفر ؛ لأنه متأول والمسألة ليست من المعلوم بالضرورة . وإذا كان المسلمون يكرهون تلك الفتوى فلا حجة في الكراهية بلا دليل ، وقد روي عن السلف وفيهم عمر كراهية زواج المسلمين من الكتابيات رغم أنه حلال قطعي فلم تكن تلك الكراهية دليلاً على التحريم . وما يدرينا والقرآن يعلمنا : (عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ( البقرة : 216 ) ، وقوله تعالى (عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ( النساء : 190 ) ، فلعل لله إرادة أن يكون التزاوج بين أهل الإسلام وأهل الكتاب سبيلاً إلى رفع الحواجز النفسية التي تفسد مقاصد الحوار والجدال بالتي هي أحسن ؛ حتى يدوم الحوار في مناخ صحي ؛ حتى يصلوا في النهاية إلى كلمة سواء بينهم ، يعتقدها المسلم في قرآنه ، والكتابي في كتابه ، وغيرهما في غيرهما ، بينما هي عند الله شيء واحد من هذا كله اهـ .
    وقد قلت سنة 2000م تعليقا في سياق حوار ما يلي
    ينبغي التعامل مع الآية في إطار دلالة النص ، وظلال قرائن الحال والمقال :
    أما دلالة النص ، فمحض إباحة خالية من أي إلزام بأمر أو نهي ، فمن شاء فليزوج ، ومن شاء فلا يزوج ، فهو عفو من القرآن وسكوت عن تقييد المسلمين في المسألة بأمر أو نهي ، فمن ذا الذي يحب أن يقدم بين يدي الله ويلزمه أن يلزمنا ؟ .
    وأما قرينة المقال ، فقوله تعالى : (لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) ( الممتحنة : 1 ) ، بضميمة قوله تعالى : (أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) ( الروم : 21 ) .
    وأما قرينة الحال : فما نقدره نحن بناء على ما لدينا بشأنهم ، من علم بهم أو ريبة فيهم ، فإذا كنا مرتابين فيما تُكِنُّ صدورهم ؛ رغم إرضائهم لنا بأفواههم ، فأمرنا إلينا وزمامنا بأيدينا وقرارنا ملك لنا .
    بيد أن هذا السمو التشريعي ، يستلزم سمواً أخلاقياً ، لم يبلغه من أهل الكتاب من المسلمين واليهود والنصارى ، منذ نزلت هذه الآية حتى اليوم ، إلا ثلة قبل مقتل عثمان بن عفان وندرة في حكم العدم بعد ذلك . من أجل ذلك ما يكون لي أنا المسلم أن أزوج ابنتي يهودياً ولا نصرانياً ، ولا يكون لي لو أني يهودي أو نصراني أن أزوجها مسلماً .
    هكذا يبدوا لي التعامل مع الآية والله أعلم ، ويبقى النص في سياقه ، رغم تعذر شرائط نفاذه ، علماً شامخاً وشاهداً بارزاً ، على سماحة القرآن وجلاله ، وحكمته وكماله ، شاهداً لا تساميه أسمى ما بلغته قوانين البشر من نبل ، ولا أنبل ما بلغته من سمو ، فسماحة هذه القوانين غلالة ظاهرية ، عمادها إهمال شأن الله وشأن الدين .
    أما سماحة القرآن ، فتعطي كل ذي حق حقه ، وكل ذي حاجة حاجته ، بلا إكراه في الدين ، ولا انتقاص من شأنه بعيداً عن ظلال عصبية خيَّمت واثنية استحكمت ، بجريرة انحراف ملوك بني أمية والعباس ، برسالة الإسلام عن غاياتها ، إلى مكنون أهوائهم ودواعي شهواتهم ، حيث العصبية القبلية والحمية الجاهلية . أما انحراف اليهود والنصارى ، وحروبهم على المسلمين ، المعلنة وغير المعلنة ، الساخنة والباردة ، فحدث عن البحر ولا حرج .
    لقد استشعر المحاور بفطرته استحالة زواج المسلمة من كتابي ، فكان صادقاً في شعوره وفطرته ، لكنه لم يدرك أن سبب الاستحالة هو تعذر شرائط النفاذ . ولأنه لا يحسن إلا التقليد ؛ فقد ظن أن السبب هو ما نسبه إلى سياق الآية من أن قوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ) ( المائدة : 5 ) ما هو إلا توطئة وتوكيد . توطئة لذكر المحصنات من الذين أوتوا الكتاب بعدُ وتوكيد لحل المؤمنات المقرر قبلُ" اهـ .
    ثانياً : بل قد تبين لي الآن ، أن القرآن أكثر سماحة مما بدا لي ، حين قلت : "السياق اللغوي للآية هو : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ) حل لهم إذا آتوهن أجورهن (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ " ( حل لكم ) " إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ )" اهـ . أي بإضافة شرط في التقدير .
    إذ تبين لي أني غفلت سابقاً ، عن حقيقة أن القرينة التي تدل على الحذف وتوجب تقدير المحذوف ، يجب أن تقدر بقدْرها ، وقدْرها هو الحد المكمل للكلام ( ) .
    وقرينة المبتدأ المعطوف على جملة من مبتدأ وخبر فحسب ، إنما تدل على محذوف هو خبر فحسب .
    فيكون التقدير الأصح للسياق هو : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ) حل لهم (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ " ( حل لكم ) " إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فيكون الأصل هو أن يؤدي المسلم مهر الكتابية ، إلا أن تعفو هي عنه وأن يُعفي الكتابي من مهر المسلمة ، إلا أن تشترطه هي ، أو يكون على تقدير الحذف كما هو فيكون القرآن قد أحسن إلى الكتابية بأن ذكر مهرها تصريحا بينما ضمن مهر المسلمة تضمينا
    فما ألطف معاني القرآن وأسمى مقاصده وأبلغ مراميه .
    ثالثاً : ولمزيد التأصيل أقول : إن هذه المسألة يحسمها جواب أسئلة هي ، هل الدلالة التي بدت لي فيها يقينية أم ظنية؟ وإن كانت ظنية ، فهل هي راجحة أم مرجوحة ؟ . . وإن كانت راجحة ، فهل هناك دلالة أخرى ، أرجح منها أم لا ؟ .
    وجوابا على هذه الأسئلة أقول : إذا تعاطف فعلان متعديان ومفعولاهما متغايران محذوفان ، قدر لكل فعل مفعولاً يناسبه يدل عليه السياق .
    وهذه قاعدة يقينية عقلية مبينة حجة لله علينا . فإذا قيل مثلاً ، والقرآن جله أمثال : ( أرسلت إليك الخبز والماء لتأكل وتشرب ) عرفنا بيقين ، أن التقدير هو : ( لتأكل الخبز وتشرب الماء ) لا : ( لتأكل الماء وتشرب الخبز ) ، وذلك لأن الخبز مأكول لا مشروب ، والماء مشروب لا مأكول . ومنه قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ) ( القصص : 73 ) ، أي : ( لتسكنوا في الليل ولتبتغوا في النهار من فضل الله ) . وكيف كنا سندرك هذا المعنى ، بدون هذه القاعدة اليقينية العقلية المبينة؟ .
    وأقول : إنما تتعاطف الجمل بعضها على بعض ، والمفردات بعضها على بعض ؛ فلا تعطف جملة على مفرد ، ولا مفرد على جملة . وهذه قاعدة يقينية لغوية مبينة حجة لله علينا . فإذا برز مفرد معطوفاً على جملة ، دل ذلك على أن هذا المفرد جزء من جملة بعضها محذوف ، هي المعطوفة في حقيقة الأمر .
    فإذا قيل مثلاً : ( الطعام حلال والشراب ) عرفنا بيقين أن التقدير هو : ( الطعام حلال والشراب حلال ) وكذلك إذا قيل : ( وطعامهم حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات منكم والمحصنات منهم ) عرفنا بيقين أن بعض التقدير هو : ( وطعامهم حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات منكم حل والمحصنات منهم حل ) . أي : ( والمحصنات منكم حل والمحصنات منهم حل ) وعرفنا بيقين أن التقدير الكامل محصور في المحتملات التالية :
    1 ـ إما : ( والمحصنات منكم حل لهم والمحصنات منهم حل لهم ) .
    2 ـ وإما : ( والمحصنات منكم حل لكم والمحصنات منهم حل لهم ) .
    3 ـ وإما : ( والمحصنات منكم حل لكم والمحصنات منهم حل لكم ) .
    4 ـ وإما : ( والمحصنات منكم حل لهم والمحصنات منهم حل لكم ) .
    أما التقديران الأول والثاني فلا يقول بهما أحد ؛ فيبقى الاحتمال منحصراً بين التقديرين الثالث والرابع ، فأيهما أنسب هو الأولى . وقد بينت آنفا أيهما الأنسب والأولى ، بما يغنى عن تكرار ذكره هنا .
    وأما ما ينسب إلى بعض الصحابة من دعوى تحريم زواج المسلمة بالكتابي فغير صحيح
    وقد ورد من طريقين أحدهما عن علي بن الحسن بن أبي عيسى عن عبد الله بن الوليد العدني عن يزيد بن أبي زياد الهاشمي الكوفي ( ) وعلي مجهول ( ) وعبد الله مختلف في ضبطه ( ) وكذلك يزيد ( )
    والآخر عن سفيان الثوري عن خالد بن مهران الحذاء عن عكرمة مولى ابن عباس ( ) وسفيان مدلس معنعن ( ) وكذلك خالد مدلس معنعن ( ) وعكرمة مدلس معنعن بل مختلف في عدالته ( )
    وأما أدلة الحرمة فنصوص مرعبة تشكل خطرا ماحقا على المسلمات إذا تزوجن بكتابيين لاحتفال شريعة اليهود العهد القديم بالعنصرية وبمناهضة من ليس يهوديا وبدعوى أن اليهود شعب الله المختار وأنهم ليس عليهم فيمن سواهم سبيل ، ولاحتفال شريعة النصارى العهدين القديم والجديد معا بنصوص مرعبة يحفلان بها كثيرة شديدة في الإكراه في الدين وفي إقصاء الآخرين واستئصالهم وفي الإبادة الجماعية حتى للنساء والأطفال والبهائم وفي العقاب الجماعي حتى للجيل العاشر من الأحفاد بسبب ما نقموه من أجدادهم في الجيل الأول . ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي
    أما في العهد الجديد
    ففي انجيل لوقا (19 : 27 ) أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام قال لحوارييه : " أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي"
    وأما في العهد القديم
    ففي التثنية 2 ( 33 - 34) : "فخرج سيحون للقائنا للحرب فضربناه وحرَّمنا [أي قتلنا] الرجال والنساء والأطفال "
    وفي التثنية 3 ( 1 ، 6) : " فخرج عوج ملك باشان للقائنا للحرب فحرَّمناها [أي قتلناها] محرِّمين [أي قاتلين] الرجال والنساء والأطفال "
    وفي التثنية 13 (6 - 11) : " وإذا أغواك أخوك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك قائلا نذهب ونعبد آلهة أخرى فلا تسمع له بل قتلا تقتله ترجمه بالحجارة حتى يموت فيسمع [أي بنو] إسرائيل ويخافون ولا يعملون مثل هذا الأمر الشرير "
    وفي التثنية 13(12- 16) : " إن خرج أناس وطوحوا سكان المدينة قائلين نذهب و نعبد آلهة أخرى فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها [أي تقتلها] بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها و تحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد "
    وفي التثنية 23(3 - 5) : " لا يدخل عمون ولا موآبي في جماعة الرب حتى الجيل العاشر من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء في الطريق عند خروجكم من من مصر ولأنهم استأجروا عليكم بلعام بن بعور لكي يلعنك ولكن لم يشإ الرب أن يسمع لبلعام "
    وفي إرميا 48 (10) : " ملعون من يمنع سيفه عن الدم "
    وفي حزقيال 9 (5 - 6) : " لا تشفق أعينكم ولا تعفوا الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك واملأوا الدور قتلى " اهـ من العهدين القديم والجديد ومن أجل هذه النصوص ما يكون لي أنا المسلم أن أزوج ابنتي يهودياً ولا نصرانياً .
    ج- حل موادة غير المسلمين . له تكملة ص100س11#
    في القرآن الكريم إنصاف للنصارى لا أعلم أحداً حرره بيانه كما يلي :
    1 ـ قال تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) ( المائدة : 82 ) ، ومفهومها يدل على أنها نزلت قبل أن تصل النصارى دعوة الإسلام أو في نصارى لما تبلغهم دعوة الإسلام . . . ويخطئ من يظن أنها تتحدث عن نصارى أسلموا ، وأن محمداً صلعم هو الرسول الذي سمعوا ما أنزل إليه ففاضت أعينهم لما يلي :
    إنهم لو كانوا نصارى أسلموا لقالوا : ( إنا مسلمون ) أو ( كنا نصارى ) بدلاً من قولهم ( إنا نصارى ) .
    ثم إنه لا يليق بعدل الله أن يفرق بين المسلمين لأسباب تاريخية سابقة على إسلامهم ؛ فيفضل المسلمين الذين كانوا نصارى على المسلمين الذي كانوا مشركين أو يهود ؛ فيختص الأولين بالثناء دون الآخرين ؛ فيقول : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ آمنوا من النصارى)
    ثم إنهم لو كانوا نصارى أسلموا لصار معنى الكلام : ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذي آمنوا ) . وهو عبث لا يلق بفصيح الكلام ناهيك بالقرآن ؛ فأن أحداًً لا يقول : ( أحب الناس إلى أولادي أولادي ) . ولكن الوجه أن يقول مثلاً : ( أحب الناس إلى أولادي أعمامهم ) ؛ فيكون المحبون غير المحبوبين . وكذلك يجب في الآية أن يكون الوادون غير المودودين .
    ثم إنهم لو كانوا نصارى أسلموا لقال الله تعالى ( ذلك بأنهم كان منهم قسيسون ورهبان ) ، أي فيما مضى ، لكنه قال : (ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً ) ، أي الآن . وهو بيان لأسباب قرب المودة .
    2 ـ وقوله تعالى (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى ) ( المائدة : 83 ) ، أي ما أنزل إلى عيسى بن مريم من الإنجيل ترى . ولو كان المقصود ما أنزل إلى محمد صلعم من القرآن لكانت العبارة : ( وإذا سمعوا ما أنزل إليك ترى ) بالخطاب ، أو : ( إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول يري ) بالغيبة ؛ إذ كيف يخاطب الله محمداً صلعم ويتحدث عنه بالغيبة وهو يخاطبه ؛ فيجمع في الجملة الواحدة بين الغيبة : ( يا أيها الرسول ) والخطاب : ( ترى ) ؟! . إنه كذلك كأنه يقول : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى محمد ترى يا محمد) أي ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى محمد الغائب ترى يا محمد يا أيها المخاطب ) ، وليست هذه جادة التعبير فيما أعلم من لغة العرب وأسلوب القرآن ، وإنما الجادة والله أعلم إما أن يقال : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى محمد يرى ) ، أي : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى محمد الغائب يرى محمد الغائب ) ، أو أن يقال : ( وإذا سمعوا ما أنزل إليك ترى ) ، أي : ( وإذا سمعوا ما أنزل إليك يا محمد يا أيها المخاطب ترى يا محمد يا أيها المخاطب ) ؛ فإن الله حين حدث الناس عن الرسول صلعم قال : ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول الحق ) ، وحين أمر الرسول أن يحدث الناس قال : ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق ) ، ولم يقل : ( قل يا أيها الناس قد جاءكم الرسول ) .
    3 ـ وأما قوله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ( الأعراف : 158 ) ؛ فإن الخطاب هنا -والله أعلم- لموسى لا لمحمد صلعم . والمعنى : ( يا موسى قل للناس : يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً . . . فآمنوا بالله ورسوله محمد ) .
    فالخطاب هنا لموسى مع قومه في سياق خطاب الله تعالى مع موسى إذ قال موسى لله : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ ... واكتب ... ) ، فقال الله لموسى : (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ) ( الأعراف : 156 ) ، من المؤمنين بالتوراة ومن هؤلاء الذين أخذتهم الرجفة ، وممن بعدهم حتى ما قبل بعثة عيسى ومن المؤمنين بالتوراة والإنجيل بعده حتى ما قبل بعثة محمد صلعم ( و ) من المؤمنين بالتوراة والإنجيل ( الذين ) إذا أدركوا بعثة محمد صلعم ( هم بأياتنا ) التي ننزلها عليه (يؤمنون الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) محمداً صلعم (الَّذِي يَجِدُونَهُ ) أي : الذي يجده مستقبلاً من يأتون بعد هؤلاء الذين أخذتهم الرجفة الآن ( مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) ( الأعراف : 157 ) ، أي قل يا موسى ، فليس قول : ( قل ) خطاباً من الله لمحمد صلعم ولا قول : ( فآمنوا ) خطاباً من محمد صلعم لقومه ؛ لما يلي :
    لأن النعت إنما يكون بما يعرفه ويقر به المخاطب ( ) ، ومن يدعوهم محمد صلعم لم يقروا له بعد بأنه نبي يؤمن بالله وكلماته ، فهم لم يؤمنوا بعد بنبوته ولا برسالته التي تتضمن هذه الكلمات وتشهد له بذلك الإيمان . بخلاف من يدعوهم موسى حيث النعت جار على أن محمداً صلعم يؤمن بالكلمات التي تضمنتها رسالة موسى ونبوءات أنبياء بني إسرائيل من بعده حتى عيسى الذي هو أحد هذه الكلمات كما أخبر القرآن . فموسى يخاطب الناس ويصف لهم محمداً صلعم بأوصاف يعرفونها ، تكون دليلهم عليه إذا وجدوها فيه .
    ولأنه لا حاجة ولا فائدة من تعريف محمد صلعم نفسه بالأمية لمن يعرفونه أصلاً بها ، والمزعوم خطابه لهم يعلمون سلفاً أنه أمي ، بخلاف نعت موسى للرسول هنا بالأمية ، تمييزاً له عن أنبياء ورسل بني إسرائيل ؛ فهم أهل كتاب أي غير أميين .
    ولأنه لا يصح نعت الرسول هنا بالنبوة ولا بالإيمان بالله وكلماته ؛ وقد ادعى أنه مرسل من الله بلا واسطة ، ورسالته تتضمن النبوة ، والمدعى خطابه لهم يعلمون ادعاءه سلفاً بذلك ، ولا يليق بالقرآن قول : ( فآمنوا بالله ونبيه ) . بخلاف نعت موسى للرسول صلعم هنا بالنبوة تمييزاً له عن رسل غير أنبياء ؛ فإنه ليس كل رسول بعد موسى يكون نبياً . نعم كل رسل الله أنبياء ؛ ولكن ليس كل الرسل رسل الله ؛ فرسل عيسى من الحواريين هم رسل رسول الله وليسوا رسل الله ، ومن هنا نشأت حاجة موسى ومن أمر بتبشيرهم ببعثة محمد صلعم إلى أن يميز لهم محمداً صلعم فكان النعت بالنبوة المميزة له عن رسل رسول الله عيسى بالأمية المميزة له عنهم وعن أخيه هارون وسائر أنبياء بني إسرائيل نعتاً متمكناً .
    ويكون هذا دليلاً على إرسال موسى إلى الناس كافة ، وعلى بطلان نسبة نص الأثر : ( فضلت على الأنبياء بست . . . أرسلت إلى الخلق كافة . . . الحديث ) ، وقد تلاقى فيه هوى جهلة المسلمين في تفضيل محمد صلعم على موسى ، مع هوى جهلة اليهود في اختصاص الله ورسله بهم ؛ فاختلق جهلة اليهود الخصوصية ؛ فتلقاها عنهم جهلة المسلمين ووظفوها على هواهم .
    ويدل على إرسال موسى إلى الناس كافة إرساله إلى فرعون وقومه المصريين ، ولم يكن فرعون ولا قومه من بني إسرائيل كما أن قول الجن الذين سمعوا القرآن : (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ... وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء ) ( الأحقاف : 31/32 ) ، دليل على إلزام الجن بما بلغهم من دعوة محمد صلعم فيكون قولهم : (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى ) ( الأحقاف : 30 ) ، دليلاً على سبق إلزامهم بما بلغهم من دعوة موسى قبل محمد صلعم فيكون موسى مرسلاً أيضاً إلى الجن والإنس معاً .
    والمقصود هنا بيان توابع أدلة حل المودة بين المسلمين وبين غيرهم ، ومن هذه التوابع أن الله لا يقول لنبيه : ( يا أيها الرسول قل للناس آمنوا بالرسول ) ؛ إذا كان الرسول الأول هو ذاته الثاني .
    4 ـ وأما قول القائلين وأعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق (رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ( المائدة : 83 ) ؛ فإنما هو قول هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى ؛ إذا سمعوا الإنجيل المنزل على الرسول عيسى وهو ذاته قول سلفهم الحواريين في الإنجيل وفي عيسى وبنفس الألفاظ : (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ( آل عمران : 53 ) .
    وخلاصة ما تقدم أنه حال نصارى لما تصلهم دعوة الإسلام ، وحين يعرض عليهم الإسلام فقد يسلمون وقد يعرضون لكنهم مع إعراضهم يبقون أقرب الناس مودة للمسلمين ، على قدر استمساكهم بهدي عيسى من الرأفة والرحمة ، فكلما اشتد تمسكهم بهديه أو بما تبقى من هديه كلما ازدادت مودتهم للمسلمين .
    5 ـ ولا أجد في القرآن ما يحرم مودة غير المسلمين ، اللهم إلا المحاربين . إنما حرم القرآن موادة من حارب الله ورسوله ) ( المجادلة : 22 ) ، أي حارب الله ورسوله ، وقال تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ .. الآية ) ( المائدة : 33 ) ، لكنه تعالى جعل بين الزوجين مودة ، وأحل زواج المسلمين من أهل الكتاب ؛ فلزم من ذلك حل المودة بين المسلمين وأهل الكتاب ؛ إذ كيف يحل الله للمسلم مودة زوجته الكتابية بينما يحرم عليه مودة أمها؟ . إنه إن كا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:52 pm