منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

منتدى متولي إبراهيم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى متولي إبراهيم صالح

بحوث في الدين والسياسة


    10الحرية الدينية في القرآن مزيد تحرير في 13ـ9ـ2011 الجزء الثاني

    متولي إبراهيم
    متولي إبراهيم
    رئيس الصفحة
    رئيس الصفحة


    المساهمات : 108
    تاريخ التسجيل : 05/10/2011

    10الحرية الدينية في القرآن مزيد تحرير في 13ـ9ـ2011   الجزء الثاني Empty 10الحرية الدينية في القرآن مزيد تحرير في 13ـ9ـ2011 الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف متولي إبراهيم الجمعة ديسمبر 02, 2011 10:42 am

    أولا ـ النص اليقيني الأول في المرتد المسالم .
    قوله تعالى : (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً * وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً [04/النساء88ـ91]) هذه الآيات نزلت في مرتدين ، بدليل أن هؤلاء المنافقين معروف نفاقهم ، فقوله تعالى (فخذوهم واقتلوهم . . .) دليل على أن نفاقهم قد انكشف ، فهم معروفون ؛ إذ كيف يأمر الله بأخذ وقتل من لا تعرف عينه ؟ وإذن فهؤلاء مرتدون عندنا ، تجري عليهم أحكام الردة بعد إيمان . وقوله تعالى (فخذوهم واقتلوهم) هو حكم الله فيهم . لكن الله استثنى من هؤلاء المرتدين فرقاً ثلاثة حرم قتلهم أو التعرض لهم رغم ردتهم :
    1 ـ الفريق الأول : في قوله صلعم : (إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) أي ينتقلون من دار قومهم إلى دار قوم آخرين مسالمين لكم ، وفيه دلالة على أن قومهم حرب على المؤمنين . وأن انتقالهم من دار قومهم المحاربين للمؤمنين إلى دار كفار آخرين مسالمين للمؤمنين اختيار منهم للمسالمة ؛ إذ لابد لهم من التزام ميثاق مضيفيهم وهو مسالمة المؤمنين
    2 ـ الفريق الثاني : في قوله تعالى : (أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ) ، أي جاؤوكم وأعلنوكم بأنهم لن يقاتلوكم مع قومهم ولن يقاتلوا معكم قومهم ، فهؤلاء اختاروا المسالمة بالوقوف على الحياد بينكم أيها المؤمنون وبين قومهم الكافرين المحاربين لكم .
    فهذا الفريقان حقن الله دماءهما وحرم على المؤمنين التعرض بسوء لهما فقال : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا) .
    3 ـ أما الفريق الثالث : فمذبذبون ، إذا لقوا الذين آمنوا قالوا إنا معكم على عدوكم ، وإذا لقوا قومهم أعداء المؤمنين انقلبوا على أعقابهم . وهؤلاء مد الله لهم حبال العذر ، فعلق شأنهم على ما سيكون منهم من فعل في واقع الأمر فقال : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ) أي (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم) وهذا هو المفهوم من ذكر الشرط ؛ فليس في السياق أي فائدة للتخصيص بالشرط غير المخالفة المفهومة من هذا التخصيص ، وبدونها يغدو الشرط لغواً ، والقرآن منزه عن اللغو ، لاسيما ومفهوم هذا الشرط لا يخالف منطوق أي نص قرآني بل ويوافق منطوق (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
    فهذه فرق ثلاث حقن الله دماءهم وحرم التعرض لهم ، رغم ردتهم وبقائهم على الردة ، وهم موصوفون بأوصاف ثلاثة يجمع بينها كلها معنى المسالمة ، فالفريق الأول سالم بالمقام بين المسالمين ، والثاني أعلن المسالمة بإعلان الحياد ، والثالث فعل المسالمة بعد تذبذب . فإذ نظرنا فيما يتبقى من المستثنى منه بعد هذه الاستثناءات الثلاثة فلن نجد إلا فريقاً واحداً رابعاً فقط ، هم المتبقين تحت طائلة الطلب والأخذ والحصر والقتل ، ألا وإنهم هم المحاربون للمؤمنين . فالفرق الأربعة كلهم مرتدون ، لكن بعضهم حلال الدم وبعضهم حرامه ، ولو كان مناط حكمهم هو الردة لما فرق الله بينهم بحل دم بعضهم وتحريم دم سائرهم .
    وبهذا يتجلى أن مناط الحكم شيء آخر غير محض الردة ، فالمسالمة جمعت الفرق الثلاث فاتحد حكمهم ، فكانت وحدة الحكم دليلاً على أن سببه هو وحدة الوصف الجامع لهم ، وهو المسالمة ، أما الفريق الرابع فانفرد بالمحاربة وانفرد بحكم القتل ، فدل انفراده بحكم القتل على انفراد وصف المحاربة بالتسبب في هذا الحكم ، ويتجلى في النهاية أن المرتد المسالم دمه حرام ولا يحل التعرض له بسوء .
    ثانيا : النص اليقيني الثاني في المرتد المسالم .
    هو قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ * وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [09/التوبة81ـ96]) .
    فقوله (إنهم كفروا) نص على كفرهم ، وكذلك قوله : (إنهم رجس ومأواهم جهنم) ، وسياق الآيات كله يدل على أن الرسول والمؤمنين يعرفونهم ، فهؤلاء إذن مرتدون معروفون حكمهم حكم المرتدين الذين كفروا بعد إيمان .
    وقوله : (يعتذرون) كشف لمحاولاتهم إخفاء نفاقهم ، وكذلك قوله : (قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) . والسياق كله يدل على أنهم مسالمون ، فهم يعتذرون ويحلفون بالله للمؤمنين ليسلموا منهم ، فهؤلاء إذن مرتدون معروفون لرسول الله ، ورغم ذلك نهى الله رسوله عن التعرض لهم بسوء فقال : (فأعرضوا عنهم) .
    ثالثا : النص اليقيني الثالث في المرتد المسالم .
    وهو النص العام : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، فكما أنه لا يجوز استعمال الإكراه لإدخال الناس في الدين ، فكذلك لا يجوز استعماله لمنعهم من الخروج منه ؛ فكلتا الحالتين إكراه في الدين . والآية لم تخص أياً منهما دون الأخرى بالنهي ، ولا خصت أيا منهما به أي آية غيرها في القرآن . وأما التعلل بكيد الذين يقولون آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ، والتذرع بحماية الدين من المتلاعبين ، فافتئات على القرآن ، وتقديم بين يدي الله ، وغفلة عما أكدته عوادي الزمان في الأنفس والآفاق . فالإكراه لا يمنع وقوع الكفر ، إنما يمنع ظهوره ؛ فيظل النفاق ينخر عظام الدين ، وأهل الدين لا يشعرون ؛ فلا يعالجون أسبابه ولا يفندون الشبهات التي أدت إليه ، ويظل النفاق في ازدياد حتى تقوى شوكة أهله ، وبعدئذ وفي أول فرصة تواتيهم يقلبون النظم الاجتماعية رأساً على عقب ، ولا أعني بالنفاق معناه الضيق ، وإنما أعني حتى نفاق الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، ونفاق المتدينين الذين يكفرون ببعض الدين لأنهم لا يرونه ديناً ، بينما يؤمن آخرون غيرهم به ، ويكفرون بما يؤمن به الأولون لأنهم لا يرونه ديناً ، أعنى أيضاً نفاق هؤلاء أو ما يسمونه التقية ؛ لما يناله كل منهم من عنت حين يحكمه من يؤمن بما يكفر هو به ويكفر بما يؤمن هو به ، فإذا حكم الشيعة كره السنة ، وإذا حكم السنة كره الشيعة ، وإذا حكم الحنابلة كره الأحناف . . . وهلم جرا ، حتى يصل العنت أن يتمنى المحكوم منهم أن يحكم بغير ما يعلم من إسلام هؤلاء الحكام ؛ لعل الوطأة تكون أخف . وإني لأحسب أنه لولا أن هذه الحال التي وصفت كانت مائلة في المسلمين يوم غزاهم أعداؤهم وأشاعوا فيهم الفواحش والحكم بغير ما أنزل الله ما غزوهم ، ولولا أن هذه الحال بقيت بعد جلاء الغزاة ولا تزال لما بقينا اليوم شائعة فينا الفواحش محكومين بغير ما أنزل الله ، ولما بقيت أحوالنا في واد وتعاليم القرآن في واد آخر .
    إني لأخشى أن تكون عقيدة الإكراه في الدين وما دس على لفظة الجهاد وأدخل على معناها من معاني الإكراه بالباطل هو الذي صد الناس ولا يزال يصدهم عن سبيل الله ؛ فقد دشن عقيدة الإكراه ملوك بني أمية ، وأذاعوها منذ المائة الأولى لوفاة النبي صلعم وهذا تشويه لحقيقة الدين ، معذور من ينصد عن الدين بسببه ، إذا لم يعلم أنه مدسوس على حقيقة الدين ، معذور إذا دافع عن نفسه ضد المسلم الذي يريد إكراهه على هذا الدين ، معذور إذا قاتل هذا المسلم وقتله ؛ فالله يقول : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [17/الإسراء15]) ، أي حتى نقيم الحجة ، ومن دس في الحجة ما ليس منها حتى عميت على الناس فقد أفسد هذه الحجة ، فدس عقيدة الإكراه في الدين قد أفسد الدين وأبطل حجته على من لا يعلم أن هذه العقيدة مدسوسة على حقيقة الدين حتى إني لأحسب ـ والله أعلم ـ أن بعض الذين قتلوا على الشرك وهم يدفعون عن أنفسهم الإكراه في الدين في الجنة ، لأنهم كفروا وهم لا يشعرون ؛ فماتوا كما يموت أهل الفترة ولم تقم عليهم حجة الدين ، أعنى صحيح وخالص وصافي وسالم وبريئ حجة الدين .
    الباب الـعاشر : الحرية الدينية في الإسلام تم آخر تحرير في 13/9/2011
    الفصل الثالث : لا جزية على امتناع أهل الكتاب عن دخول الإسلام .
    قوله تعالى : (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [09/التوبة29])
    إن القول بأن القرآن لا يبينه غيره يترتب عليه بطلان نسبة الآثار الآمرة بفرض الجزية على أهل الكتاب عقوبة لهم على عدم إسلامهم ، وبطلان نسبة أي خبر ينسب إلى رسول الله صلعم أو إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي في فرض الجزية على غير المسلمين لعدم إسلامهم . أما آية الجزية ، فلا جرم أنها دالة بالتصريح على أمر بقتال لأجل الجزية ، ودالة بالإيماء على قتال الموصوفين بأنهم أهل كتاب لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق . ومفهوم المخالفة المستنبط من هذا الوصف هو تحريم قتال من يؤمنون ويحرمون ويدينون ، فيكون سبب قتالهم امتناعهم عن اعتناق ملة الإسلام ، ويكون مقصود القتال إرغامهم على إعطاء الجزية عن يد وهو صاغرون .
    وهذا المقصود وذلك السبب مناقضة لقوله تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ، فيكون منسوخاً بآية الجزية إن صح ذلك السبب سبباً لها .
    لكن الامتناع عن اعتناق ملة الإسلام ليس هو سبب آية الجزية ، ومن هنا نشأ الخطأ ـ والله أعلم ـ في تأويل الآية ، واختلقت الآثار بشأنها على رسول الله صلعم وصحابته رضي الله عنهم من بعده ، إشباعاً لشهوات ملوك بني أمية في الاستبداد والغزو والسيطرة ؛ فتحولت من سبق تشريعي وإعجاز اجتماعي ، إلى سيف سلطه سلف المسلمين على سلف الناس صدوهم به عن سبيل الله أمس ، حتى دال الزمان وضعف القوي وقوي الضعيف ؛ فرد خلف الناس لخلف المسلمين الصاع صاعين ولا يزالون إلى اليوم .
    أولا : دلالات تأويل آية الجزية .
    أ ـ دلالة سياق الآيات :
    إن آية الجزية واقعة ضمن سياق حديث سورة براءة عن المعاهدين ، وقبلها تحدث القرآن الكريم عن غير المسلمين حديثاً عاماً يشمل المعاهدين وغيرهم فقال تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة : 190ـ193) ، فلما جاءت سورة براءة خصت المعاهدين بالكلام من مطلعها إلى آية الجزية ، فيكون قصد المعاهدين من أهل الكتاب بالآية واختصاصها بهم ـ شأنها شأن آيات السورة قبلها ـ أولى من الخروج بها عن السياق ؛ لاسيما إذا كان هذا الخروج يسبب تناقضها مع آية أخرى كقوله تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
    ب ـ دلالة سياق الآيات الأقرب :
    إن أقرب جزء في السياق قبلها هو الحديث عن المعاهدين الناقضين بدءاً من قوله تعالى (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) (التوبة : 12) ، فيكون قصد المعاهدين الناقضين بآية الجزية واختصاصها بهم ـ شأنها شأن الآيات الأقرب ذكراً في السياق إليها ـ أولى من التجاوز إلى الآيات الأبعد ذكراً في السياق منها ؛ لاسيما إذا كان هذا التجاوز يسبب تناقضها مع آية أخرى كقوله تعالى : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) .
    ج ـ دلالة التركيب اللغوي :
    إن قوله تعالى : (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) ليس معناه : (ولا يحرمون على أنفسهم ما حرم الله ورسوله على المسلمين من دعوى النصارى أن المسيح ابن الله أو دعوى اليهود أن عزيرا ابن الله مثلاً) ؛ إذ هو معلوم من قوله تعالى قبله : (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِر) ، ومن قوله تعالى بعده : (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) ، معلوم من كل قول من الأقوال الثلاثة المتعاطفة بالواو نسقا مع قرينة (من الذين أوتوا الكتاب) أن اليهود لا يحرمون على أنفسهم دعوى أن عزيرا ابن الله وأن النصارى لا يحرمون على أنفسهم دعوى أن المسيح ابن الله ؛ فلا يليق إذن أن يعطف القرآن قوله : (لا يدينون) على قوله قبله (لا يحرمون) على قوله قبلهما : (لا يؤمنون) ، ثم يريد بكل واحد منها ـ بالنص أو التضمين ـ ذات الشيء ؛ إذ يستلزم ذلك تعاطفاً بلا تغاير ، فيكون كقول القائل : (جاء زيد وزيد) أو (جاء زيد وجاء زيد) وتكون الآية كأنها : (لا يحرمون دعوى أن المسيح ابن الله أو أن عزيرا ابن الله ولا يحرمون دعوى أن المسيح ابن الله أو أن عزيرا ابن الله ولا يحرمون دعوى أن المسيح ابن الله أو أن عزيرا ابن الله) ، وهذا عبث ؛ فيبطل ما أدى إليه ؛ فيدل البطلان على أن المعنى شيء آخر تدل عليه قرينة السياق ، والسياق حديث عن قتال و عهد ، وحين يذكر القتال والعهد في جملة واحدة أو سياق واحد فلابد من رابط بينهما ، ولا رابط محتمل بينهما إلا إما الوفاء وإما النقض ويكون قوله (قاتلوا) قرينة على إرادة الربط بالنقض دون الوفاء ؛ فتكون الجملة : (قاتلوا ناقضي العهد) ، ويكون المعنى : (ولا يحرمون) على أنفسهم من نقض العهد (ما حرم الله) على نفسه من نقضه (و) ما حرم (رسوله) على نفسه من نقضه .
    وكذلك قوله تعالى (وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) ، ليس معناه : (ولا يعتنقون ملة الإسلام) ؛ إذ هو معلوم من قوله تعالى قبله : (لاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) ، ومن قوله قبله : (لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِر) . معلوم من كل قول من الأقوال الثلاثة المتعاطفة بالواو نسقا مع قرينة (من الذين أوتوا الكتاب) أن اليهود والنصارى لا يعتنقون ملة الإسلام ؛ فلا يليق إذن أن يعطف القرآن قوله : (لا يدينون) على قوله قبله (لا يحرمون) على قوله قبلهما : (لا يؤمنون) ، ثم يريد بكل واحد منها ـ بالنص أو التضمين ـ ذات الشيء ؛ إذ يستلزم ذلك تعاطفاً بلا تغاير ، فيكون كقول القائل : (جاء زيد وزيد) أو (جاء زيد وجاء زيد) وتكون الآية كأنها : (قاتلوا الذين لا يعتنقون ملة الإسلام ولا يعتنقون ملة الإسلام ولا يعتنقون ملة الإسلام) . وهذا عبث ؛ فيبطل ما أدى إليه ؛ فيدل البطلان على أن المعنى شيء آخر تدل عليه قرينة السياق ، والسياق كما ذكر حديث عن قتال و عهد ، وحين يذكر القتال والعهد في جملة واحدة أو سياق واحد فلابد من رابط بينهما ، ولا رابط محتمل بينهما إلا إما الوفاء وإما النقض ويكون قوله (قاتلوا) قرينة على إرادة الربط بالنقض دون الوفاء ؛ فتكون الجملة : (قاتلوا ناقضي العهد) ، ويكون المعنى : (ولا يلتزمون التزام الحق) ، أي (ولا يلتزمون) بالعهود (التزاماً حقيقياً) سالماً من الخيانة والمخادعة .
    د ـ دلالة الميزان العقلي :
    الميزان العقلي قرآن رباني منشور في الأنفس والآفاق ، تماماً كقرآن الله المسطور في المصحف ، ولا عجب والذي أنزل المسطور هو نفسه الذي وهب المنشور ، والقرآن قد حرم التعرض بسوء للمعاهدين المسالمين من المشركين فقال تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [09/التوبة4]) وقال (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [09/التوبة7]) والمعاهدون عند المسجد الحرام كانوا مشركين ، فلم يكن في مكة يهودي ولا نصراني ، فكيف يحرم القرآن التعرض بسوء للمشرك المسالم ، ثم يبيح دم الكتابي المسالم ؛ لاسيما والمتبقي من دين أهل الكتاب خير ـ ولا ريب ـ من دين المشركين ، ولاسيما أيضاً أن أهل الكتاب منهم النصارى الذين نص القرآن على أنهم أقرب الناس مودة للمؤمنين من المشركين .
    هـ ـ الخطأ في تفسير الصغار :
    من التفسيرات الخاطئة لمعنى الصغار تفسيره بالذلة في قوله تعالى (عن يد وهم صاغرون) لقوله تعالى (وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) (النمل : 37) ، إذ لو كان الصغار هو الذلة لصارت الآية كأنها : (ولنخرجنهم منها أذلة وهم أذلة) أي : (أذلة وأذلة) أو (وهم أذلة ، وهم أذلة) ، وهذا عبث ؛ فيبطل ما أدى إليه ؛ فيدل البطلان على أن المقصود بالصغار شيء آخر ، هو الانهزام أو الضعف المادي وقد ينهزم المرء ماديا لكنه يظل عزيز النفس كالشهيد ينهزم لكنه لا يستسلم ولا يذل بل يقتل ، والله أعلم .
    و ـ الخطأ في تفسير اليد :
    كما أن من التفسيرات الخاطئة أيضاً هنا القول بأن (عن يد) بمعنى : (عن قدرة أو نعمة للمسلمين عليهم قدرة قهر منهم لهم) وأن الجار والمجرور (عن يد) في محل نصب حال بمعنى قادرين أو منعمين وأن صاحب هذه الحال هو المعمول ضمير المسلمين الفاعلين المقترن بالفعل (قاتلوا) وعلى هذا التوجيه يكون في الآية تقديم وتأخير وأصل الترتيب هو (قاتلوهم عن يد ليعطوا وهم صاغرون) أي (قاتلوهم قادرين) أي (قاتلوهم إن استطعتم) ومن المعلوم أن لفظ اليد أصل في الجارحة ولكنه يستعار لمعنى النعمة لأن اليد تمتد بالمنعم به إلى المنعم عليه كما يستعار لمعنى الحوز أوالملك لأن اليد تمتد فتمسك المحوز المملوك كما يستعار لمعنى القوة لأن اليد بقوتها تبطش
    ولكن هذا تفسير خاطئ لما يلي
    ـ لأنه تفسير بالمعنى الأبعد بلا دليل لأنه مبني على القول بالتقديم والتأخير بلا دليل وهو خروج بلا دليل على الأصل الذي هو عودة الحال إلى أقرب صاحب صالح وهو هنا ضمير الكتابيين الفاعلين المقترن بالفعل (يعطوا) والمعنى الأقرب هو الأصل ولا مانع منه فهو الصواب وهو (قاتلوهم حتى يعطوها قادرين على إعطائها مغلوبين منكم) أي (قاتلوهم حتى تغلبوهم ويعطوها إن استطاعوا) فيكون مفهوم المخالفة هو (قاتلوهم حتى تغلبوهم واعفوا عن الجزية إن لم يستطيعوا إعطاءها أو اجعلوها ديناً إلى ميسرة) وهذه رحمة قرآنية وسعت المعتدين كما في قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [07/الأعراف156])
    ـ ولأن هذا التفسير بهذا المعنى الأبعد يجعل القرآن ساكتا عن الحكم في حالة عجز الصاغرين عن إعطاء الجزية وهي حالة ربما تقع ونحن بحاجة إلى حكم فيها بينما التفسير الذي ذكرناه يجعل للقرآن حكما في هذه الحالة وهو الأليق بكون القرآن دينا كاملا ونعمة تامة
    ـ ولأن هذا التفسير بهذا المعنى الأبعد يجعل (عن يد) بمعنى قدرة المسلمين يعنى بمعنى ضعف الكتابيين فيكون معنى : (عن يد وهم صاغرون) هو : (عن ضعف من الكتابيين وهم ضعفاء) ، أي (عن ضعف وضعف) وهذا عبث ؛ فيبطل ما أدى إليه ؛ فيدل البطلان على أن المقصود هنا من قول (عن يد) هو : (عن قدرة من الكتابيين على دفع الجزية) وليس : (عن قدرة من المسلمين على إذلالهم) . قال تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) (ص : 17) ، أي القوي ، وقال تعالى (أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار) (ص : 45) ، أي أولي القوى والإفهام .
    ثانيا : فضل الله على أهل الكتاب في آية الجزية .
    يبقى السؤال في النهاية ، لماذا أفرد القرآن أهل الكتاب بالذكر؟ فلم يجعلهم مع المشركين في خطاب واحد ، فلم يقل : (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الكافرين) ، ولم يقل : (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الكافرين) ،ولم يقل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الكافرين اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) ،ولم يقل : (كَيْفَ يَكُونُ للكافرين عَهْدٌ) .
    والجواب ـ لو يرقبه أهل الكتاب من المسلمين وغيرهم ـ خصوصية وتكريم قرآني وإيثار وتفضيل رباني لأهل الكتاب على المشركين وتيسير لعوامل لقربى بين أهل الكتاب وبين المسلمين .
    1 ـ فآية الجزية قد حرمت دماء أهل الكتاب الناقضين إذ مكنتهم من فداء أنفسهم بأموالهم ولو كره المسلمون ، بينما لم يمكن القرآن المشركين الناقضين عهدهم مع رسول الله من مثل ذلك .
    2 ـ كما أن الكتابي لا ينتفع بشيء زائد لو قيل (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الكافرين اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) (التوبة : 6) ، لأن دم الكتابي الناقض في مأمن وقد أذن له في فداء نفسه ، فلا حاجة به إلى الإجارة لأن الإجارة تكون من خوف وهو ليس خائفاً ؟.
    3 ـ كما أن آية الجزية أعفت المعتدين الكتابيين من الجزية إن عجزوا عن أدائها أو جعلتها ديناً إلى ميسرة .
    4 ـ فآية الجزية استكمال لسياق محبة القرآن أن يقترب أهل الكتاب المسلمون من أهل الكتاب اليهود والنصاري دون المشركين ؛ ذلك السياق الذي أحل فيه الزواج بين المسلمين وبين اليهود والنصارى دون المشركين ، وحرم فيه على المشركين قربى المسجد الحرام بينما لم يحرمه على أهل الكتاب . قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عامهم هذا) (التوبة : 28) .
    ثالثا ـ جواز مصالحة الكتابيين المعتدين دون جزية .
    وهو واضح من جملة الحال (وهم صاغرون) أي فلا إلزام بإعطاء الجزية إلا في حال الصغار حال الهزيمة فإذا لم تكن هزيمة للمعتدين وجنحوا للسلم وجبت إجابتهم دون طلب جزية وهذه موافقة قرآنية لصريح المعقول إذ كيف نطلب جزية من معتدين لم نتمكن من هزيمتهم كما أن هذا اتساق قرآني في معاملته للكتابيين مع معاملته للمشركين لأنه لما أقر المعتدين المشركين على الصلح إن جنحوا للسلم غير مهزومين دون قيد ولا شرط كان أليق من باب أولى أن لا يشترط شرطا لا جزية ولا غيرها على من هم خير من المشركين من الكتابيين المعتدين إن جنحوا للسلم غير مهزومين .
    رابعا ـ حقيقة الجزية وخلاصة حكمها .
    1 ـ الخلاصة أن حقيقة الجزية محض غرامة أو تعويض ، عما لحق المسلمين من ضرر مادي أو معنوي ؛ جراء إخلال أهل الكتاب بالتزاماتهم ، المتفق عليها بينهم وبين المسلمين ، بنقضهم عهدهم معهم ، وليس عقوبة على استمساكهم بملتهم وإبائهم اعتناق ملة الإسلام .
    2 ـ وتكون الجزية على ذلك مستحقة على المسلمين لأهل الكتاب إذا كان النقض من المسلمين ، غرامة أو تعويضاً ، عما لحق أهل الكتاب من ضرر مادي أو معنوي ؛ جراء إخلال المسلمين بالتزاماتهم ، المتفق عليها بينهم وبين أهل الكتاب ، بنقضهم عهدهم معهم .
    3 ـ فشأن الجزية شأن أي تعويض تضمنه أي تشريع في أي دولة في أي زمان أو مكان ؛ جراء إخلال أحد أطراف العقد الاجتماعي بأي التزام أوجبه ذلك التشريع ، سواء أكان بعض أطراف العقد أو كلهم مؤمناً أو كافراً .
    الفصل الرابع : بطلان نسبة الإكراه في الدين إلى السنة النبوية
    أولا : حديث الأمر بمقاتلة الناس لإدخالهم في الدين
    ثانيا ـ أحاديث القتل والأمر بقتل المرتدين
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    التعليقات الختامية
    (01) قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) ولم يكن لله أزلا ولن يكون له أبدا كلمات ناقصات وإنما المعنى فأبلغهن مبلغهن . وقال تعالى : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ولم تكن الثلاثون ناقصة وإنما المعنى وأتممناها أربعين بزيادة عشر أي وأبلغناها أربعين بزيادة عشر فبلغ ميقات ربه أربعين . وقال تعالى : حكاية عن الرجل الصالح المساوم نبيه موسى في زواجه : (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ) ولم تكن الثماني ناقصة ولو كانت ناقصة لما قال لموسى : (فَمِنْ عِندِكَ) وإنما المعنى فإن أبلغت الثماني عشرا بزيادة اثنين فمن عندك الزيادة . فيكون قوله تعالى : (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) معناه أبلغوا إليهم عهدهم إلى مدتهم . ثم التمام إن كان من عل إلى سفل فهو بمعنى النزول فيتعدى بعلى كما في قوله تعالى : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أي وأنزلت (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ) أي ونزلت (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي ينزل . وإذا لم يكن التمام من عل إلى سفل كان بمعنى البلوغ وإذا تعدى تعدى بإلى كما في قوله تعالى : (فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) . وقد يتعدى بإلى بدلا من على كما في قوله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) لكنه لا يتعدى بعلى بدلا من إلى . ثم التمام يتعدى بإلى وعلى كما يتعدى البلوغ والوصول والنزول بينما لا يتعدى كذلك الكمال بل باللام كما في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ولو كان التمام هو الكمال لقال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم ونعمتي ولما قال حشوا : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)
    (02) قال الطبري (قد اختلف أهل التأويل فقال بعضهم : صنفان من المشركين : الاَخر منهما كانت مدة عهده بغير أجل محدود) أي بأجل غير مسمى أي غير محدود .
    (03) أما الشرط الداخل على فعلين أولهما فعل الكينونة فإن كان ماضيا فهو للماضي نحو : (إِن كُنتُ قُلْتُهُ) أي في الماضي وإن كان حالا فهو للحال نحو : (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ) أي الآن .
    (04) ومما يوضح ذلك بيان في دلالات الفاء في آية المواريث في (فَإِن لَّمْ يَكُن) وفي (فَإِن كَانَ) كما يلي : إن كان معك الأول والثاني والثالث والرابع فأنتم خمسة ؛ فإن لم يكن معك الأول فأنتم أربعة ، فإن كان معك الخامس والسادس فأنتم ستة . المعنى : إن كان معك الأول والثاني والثالث والرابع فأنتم خمسة . فإن لم يكن معك الأول ، أي إن نقصت من المذكورين آنفا الأول ، أي فإن كان معك المذكورون آنفاً عدا الأول كنتم أربعة : هم : أنت والثاني والثالث والرابع . فإن كان معك الخامس والسادس ، أي فإن أضفت إلى المذكورين أخيراً الخامس والسادس ، أي إن كان معك الخامس والسادس إضافة إلى المذكورين أخيراً فأنتم ستة ، هم : الخامس والسادس وأنت والثاني والثالث والرابع . وبعبارة أخرى يصح أن يقال : (إن أسلم مشرك فتولوه ، فإن تفقه في الدين فاستفتوه) فيكون معنى ما بعد الفاء : (إن تفقه في الدين بعد إسلامه) لأن العطف بالفاء يقتضي الترتيب وعدم الترتيب معناه أنه يصح أن يقال (إن تفقه في الدين مشرك فاستفتوه ، فإن أسلم فتولوه) وهذا باطل ومن أجل ذلك لا يصح أن يقال : (إن أسلم مشرك فتولوه ، وإن تفقه في الدين فاستفتوه) ؛ إذ يصير معنى ما بعد الواو : (إن تفقه في الدين وهو باق على الشرك) لأن العطف بالواو يعني عدم الترتيب وهذا بدوره يعني أنه يصح أن يقال (إن تفقه في الدين مشرك فاستفتوه ، وإن أسلم مشرك فتولوه) وهذا باطل .
    (05) (البقرة 211)
    (06) وقد أظلهم بالفعل ولا يزال هذا الزمان وفي قول : (لَعَلَّهُمْ) إشارة لطيفة إلى ذلك تكشف ذلك من وراء حجب الغيب لأن لعل للترجي وما يترجى قد يقع وقد لا يقع مثلها مثل عسى ، وإن كانتا تتمايزان بأن لعل تكون فيما يكثر وقوعه بخلاف عسى التي تكون فيما لا يكثر وقوعه ، ولو شاء الله لقال إنهم منتهون فيكون ذلك وعدا منه سبحانه بالنصرة دائما .
    (07) المغفرة والرحمة للكافر تكونان في الدنيا دون الآخرة . أما المغفرة فتكون لما سلف من عدوان كما في قوله تعالى (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ [45/الجاثية14]) وأما الرحمة فتكون بركة للكافر في صحته وماله وأهله أو تهيئة ظروف كريمة قبل أن يهتدي تسهل عليه سبيل الهداية قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء107 وقال تعالى : (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) (الأنعام154} وقال : (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) (يونس 21) وقال : (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (الروم33) وقال : (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) (فصلت50)

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 4:06 am