منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتدى متولي إبراهيم صالح

مرحبا بكم في البحث عن الحقيقة مع منتدى متولي إبراهيم صالح

منتدى متولي إبراهيم صالح

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى متولي إبراهيم صالح

بحوث في الدين والسياسة


    ‫أمرت أن أقاتل القديم مع زيادات الفصلان الثاني والثالث مصحح حتى 29ـ8ـ2010 - نسخة

    متولي إبراهيم
    متولي إبراهيم
    رئيس الصفحة
    رئيس الصفحة


    المساهمات : 108
    تاريخ التسجيل : 05/10/2011

    ‫أمرت أن أقاتل القديم مع زيادات الفصلان الثاني والثالث مصحح حتى 29ـ8ـ2010 - نسخة Empty ‫أمرت أن أقاتل القديم مع زيادات الفصلان الثاني والثالث مصحح حتى 29ـ8ـ2010 - نسخة

    مُساهمة من طرف متولي إبراهيم الأحد نوفمبر 20, 2011 9:49 pm

    الفصل الثاني
    مدخل دراسة حديث " أمرت أن أقاتل الناس "
    الثقافات متناقضة ، والتناقض دليل البطلان ، بطلان الكل أو البعض ، والحاجة في الأصل ماسة إلى نقد الثقافات ، قياما بالحق ونصحا للخلق ، ولأغراض إنسانية معرفية صرفة ، بغض النظر عن نزغ الشياطين بينهم .
    وهذه الدراسة محاولة لتخريج وتحقيق ، طرق حديث " أٌمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله " قصدت بها نصح الأمة ، أملا في كشف الغمة وإعادة اللحمة ، إلى نسيج المجتمعات الإنسانية التي مزقتها ويلات الحروب ، لأسباب تتعلق بالفكر والمعتقد ، لعلها تشكل وقفة أو هدنة لمراجعة الضمائر والعقول ، واستفتاء النهى والأحلام .
    أقمت هذه الدراسة على ما أراه الحق ، من قواعد مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل ، وقد أوافق الجمهور أو أخالفهم ، لكني دائما وأبدا أتوخى الحقيقة ، إليها أصوب وحولها أدندن ، فما أصبت فيه فمن الله عز وجل وله الفضل والمنة ، وما جنحت فيه فمني ومن الشيطان ، وإني لراجع عنه إن كشفه لي ناصح أمين ، بحجة هادية وبرهان مبين .
    وحديث " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله " أي حتى يسلموا ، نص صريح في معنى الإكراه في الدين ؛ لأن معناه مقاتلة الناس لأجل أن يسلموا ، وهذا هو الإكراه في الدين الذي حرمته النصوص القرآنية ، الصريحة القطعية ، التي كفلت حق الفكر حتى الكفر :
    (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [02/البقرة256]) ، (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ [10/يونس99]) ، (مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ [50/ق45]) ، (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [88/الغاشية22]) ، (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [18/الكهف29]) . . الخ سائر النصوص القرآنية ، التي تكفل حرية الفكر والعقيدة ، حتى حرية الإيمان بالكفر ، وحرية الكفر بالإيمان .
    فإن قيل إن المقصود بالناس هم المحاربون منهم لا كلهم ، قيل فقد أخطأ من انتزعوا هذا النص من سياقه الدال على خصوصيته بالمحاربين ، فلبسوا الحق بالباطل ، وقيل لا يزال المعنى رغم ذلك باطلا ، لأنه أمر بالمعاقبة بغير ما أحل الله ، حتى وإن قصدوا بحربهم إكراهنا في الدين ، فإن الله عز وجل لا يبيح لنا أن نعاقب من يكرهنا في الدين ، بأن نكرهه نحن في الدين .
    قال الله تعالى في ناقضي العهد أي المحاربين : (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [09/التوبة5]) ، أي فإن أسلموا ، وليس قول فإن أسلموا كقول حتى يسلموا .
    إن سياق (فإن أسلموا) أمر بقتلهم عقوبة على نقضهم لا على كفرهم ، وبالكف عنهم إن أسلموا قبل أن نقتلهم ، فيكون القتل بسبب المحاربة لا بسبب الكفر ، ويكون الكف بسبب الإسلام ، في تشريع ضرورى يستجيب لحال ربما تقع ، بما يجب عمله إن وقعت ، كما يتجلى في دراستنا في تأويل مطلع سورة براءة ، فالسياق إذن بعيد عن الإكراه .
    وأما (حتى يسلموا) فمعناه (كي يسلموا) أي (لأجل أن يسلموا) فهو أمر بقتلهم بسبب كفرهم ، وهذا هو معنى الإكراه ، فهذا الحديث مناقض لصريح نصوص القرآن مناقضة سافرة .
    وكل خبر يخالف القرآن باطل ، خاطئ من رواه معتقدا صحته ، وإذن فكل خبر منسوب إلى النبي يخالف القرآن باطل ، خاطئ من اعتقد صحة نسبته إليه صلعم ، وإذن فكل دعوى نسخ لنص قرآني بخبر منسوب إلى النبي دعوى باطلة ، خاطئ من اعتقد صحة نسبتها إلى النبي .
    فهذا الخبر إذن باطل ، حتى لو صحت أسانيده ؛ لأن مصطلح الصحة لا يعني ضمان موافقة حقيقة الحال ، ولكني رغم ذلك أقوم بدراسة طرق هذا الخبر ، لكشف ما يتوهمه الناس من دعائم في هذه الطرق ، فإن العامة يسمعون أن طرق هذا الخبر بالعشرات ، فيظنونه متواترا تواترا يفيد اليقين ، فيعتقدونه بغير تبين يقينا .
    أستحسن التنويه في البداية ، بمنطلقاتي الأصولية ، ثم بمنهجي في التحقق من صحة الأخبار ، ومنهجي في فهم القرآن ، ثم ببعض ما يكتنف بعض قواعد التحقق المصطلح عليها من إشكاليات ؛ لتكون الصورة في تحقيق هذا الحديث وفي غيره ، أوسع شمولا وأشد وضوحا .
    أولا : منطلقاتي الأصولية
    1- كل خبر يخالف القرآن أو العقل باطل ، وعلى ذلك الجمهور .
    2- مصطلح الصحة يعنى ظاهر الحال ، ولا يضمن موافقة هذا الظاهر لحقيقة الحال ، فقد يحكم بصحة الخبر ، بينما هو باطل في واقع الأمر وحقيقة الحال ، وعلى ذلك الجمهور .
    3- لا ينسخ القرآن بما دونه قوة ثبوت ، وعلى ذلك الجمهور .
    4- لا يخصص القرآن ولا يقيد بما دونه قوة ثبوت ، لأن التخصيص نسخ لما عدا ما خصص من العموم ، والتقييد نسخ لما عدا ما قيد من الإطلاق .
    5- محض تواتر الخبر إن صح هذا الخبر ، إنما يفيد غلبة الظن ولا يبلغ اليقين ، ولا يوجد متواتر قولي عن النبي صلعم يبلغ قوة ثبوت أي نص قرآني .
    6- روايات المجهولين غير مقبولة ، وعلى ذلك الجمهور .
    7- التوثيق المطلق بالسبر الجزئي باطل ، ورغم ذلك فمرويات من وثق بالسبر مقبولة إذا اشتهر بالعلم ، وكثرة الرواية والتلاميذ ، ولم يجرحه أحد ، وهذا مسرح اجتهاد يسع الأمة الخلاف حوله ، فيما لا يخالف القرآن أو العقل .
    8- لا يكفي لتوثيق المعدود في الصحابة ، لقياه النبي صلعم ساعة واحدة في حياته كلها وعلى ذلك بعض السلف .
    9- أتوقف في الخبر المرسل وفي الخبر المدلس ، وعلى ذلك الجمهور .
    10- ومن عرفته أرسل خبرا إلى من عاصره أو يشتبه أنه عاصره ، ولم يبين أنه لم يسمعه منه عددته مدلسا .
    11- ومن عرفته مدلسا ، توقفت في كل ما لم يصرح فيه بالسماع من صيغة أو خبر ، وعلى ذلك الجمهور .
    12- ولا أفرق بين من عرفته دلس مرة ومن عرفته دلس مرارا ، وعلى ذلك فريق منهم الشافعي والخطيب البغدادي .
    13- وأستثنى من ذلك الصحابي المرسل أو المدلس ، فيما لا يخالف القرآن أو العقل حتى وإن لم يوافقهما ، بشرط إلا يرتاب مرة في أنه أرسل إلى النبي صلعم خبرا باطلا ، ولم يبين أنه لم يسمع منه .
    14- خبر المختلف فيه بين جرح وتعديل أتوقف فيه إذا فسر الجرح ، وعلى ذلك الجمهور ، وأتوقف فيه أيضا إذا لم يفسر ، وعلى قريب من ذلك الجمهور .
    15- من استجاز التصريح بالسماع في الإجازة المطلقة ، توقفت عن كل تصريحاته عمن إستجازه إجازة مطلقة ، وأعنى بالمطلقة ما يشمل المكاتبة وما لا عرض فيه ولا مناولة .
    16- ومن عده العلماء مرسلا عمن عاصره أو يشتبه أنه عاصره ، ولم يذكروا أنه قد بين أنه لم يسمع ما أرسله عمن نسبه إليه ، فإن لإرساله حكم التدليس .
    هذه أصول أنطلق منها وأبني عليها ، وأترحم على من ينصحني بشأنها ، بحجة دامغة وبرهان مبين ، لا بمحض أقوال من سلف أو خلف .
    ثانيا : منهجي في التحقق من صحة الأخبار المنسوبة إلى رسول الله صلعم
    هو عرضها على ست خطوات على الترتيب
    الخطوة الأولى : أقوم فيها بعرض الخبر على القرآن الكريم ، وعلى ذلك الجمهور (01)
    1 ـ فإن وافق القرآن معناه وبطل إسناده ، عملت بمعناه ولم أنسب لفظه إلى النبي صلعم .
    2 ـ وإن وافق القرآن معناه وصح إسناده ، نسبت لفظه إلى النبي صلعم ، ومع ذلك قد أستغني بنسبة معناه إلى القرآن عن نسبة لفظه أو معناه إلى النبي صلعم ؛ لكني لا أستغني بنسبته إلى النبي صلعم عن نسبة معناه إلى القرآن ؛ لأن القرآن هو الأصل وله الصدر ، وما النبي إلا تابع له بأبي هو وأمي .
    3 ـ وإن خالفه القرآن رددته ، وأيقنت أن النبي صلعم لم يقله ، وأن نسبته إلى النبي صلعم نسبة باطلة ، حتى وإن صح إسناده ؛ فقد أوضح أهل المصطلح ، أنهم حين يقولون في خبر : (هذا خبر صحيح) ، أوضحوا أنهم إنما يقصدون بالصحة ظاهر الحال لا حقيقته ، وأن الخبر ربما صح في ظاهره بينما هو باطل في حقيقته (02) ، وأجمعوا على رد الخبر والحكم بشذوذه ، إن خالف خبرا أصح منه ، فأولى ثم أولى أن يحكم بشذوذه إن خالف القرآن ؛ لأن القرآن أصح من هذا الخبر الأصح من ذاك الخبر الصحيح .
    وأجمعوا على أنه لا خبر أصح صحة ولا أوثق وثوقا ولا أشد ثبوتا من أخبار القرآن ، فكل خبر قرآني أصح من أي خبر آخر منسوب إلى الرسول صلعم ، فيلزم من جماع كل ذلك ، أن كل خبر مخالف للقرآن باطل ، وأن نسبته إلى النبي صلعم نسبة باطلة .
    4 ـ أما إن كان القرآن ساكتا عن هذا الخبر فلا يوافقه ولا يخالفه ، فإني أنتقل إلى الخطوة الثانية .
    الخطوة الثانية : أعرض فيها هذا الخبر على العقل إن كان مما يدرك العقل حكمه من إمكان أو استحالة
    1 ـ فإن خالفه العقل بأن قضى بأنه خبر مستحيل ، كخبر ينسب إلى النبي صلعم مثلا أنه يقول : (الواحد أكثر من العشرة) رددته وأيقنت أن النبي صلعم لم يقله .
    1 ـ وإن وافقه العقل بأن قضى بأنه خبر ممكن انتقلت إلى الخطوة الثالثة (03) .
    2 ـ وكذلك إن كان العقل قاصرا عن درك هذا الخبر ، بحيث لا يستطيع أن يقضي فيه بالإمكان أو الاستحالة ، أنتقل أيضا إلى الخطوة الثالثة .
    الخطوة الثالثة : أنظر فيها إسناد هذا الخبر
    1 ـ فإن صح هذا الإسناد ، فكان متصلا ، ليس فيه راو مدلس إلا وقد صرح بالسماع ممن فوقه ، وكان رواته ثقاتا ، ضابطين في حفظهم ، موثقين في صدقهم توثيقا حقيقيا ، بشهادة معاصرين لهم أصحاب عدول ، ولم يخالف هذا الخبر خبرا أصح منه ، قبلت هذا الخبر .
    2 ـ وإن صح هذا الإسناد لكن خالف خبره خبرا آخر أصح منه رددته (04) .
    3 ـ أما إن لم يصح هذا الإسناد فإني أنتقل إلى الخطوة الرابعة .
    الخطوة الرابعة : أعرض فيها متن هذا الخبر على ما صح بالشروط المذكورة في الخطوة الثالثة
    1 ـ فإن وافق معنى ما صح معنى هذا الخبر واللفظان مختلفان ، عملت بمعناه ولم أنسب لفظه إلى النبي صلعم .
    2 ـ وإن وافق لفظ ما صح لفظ هذا الخبر ، استغنيت عنه بما صح ؛ لأن ما صح هو الأصل .
    3 ـ وإن خالف ما صح هذا الخبر رددته ، واعتقدت أن النبي لم يقله ، وأن نسبته إليه صلعم باطلة
    4 ـ أما إن كان ما صح ساكتا عن هذا الخبر ، فلا يوافقه ولا يخالفه ، فإني أنتقل إلى الخطوة الخامسة .
    الخطوة الخامسة : انظر فيها إسناد هذا الخبر مرة أخرى
    1 ـ فإن كان قد ورد بذات هذا الإسناد أخبار أخرى ، وتبين بطلانها ، بمناقضتها نصوص القرآن أو حقائق العقل ، أو نصوص ما صح في الخطوة الثالثة ، وتبين بالتالي بطلان هذا الإسناد تبعا لبطلانها رددت هذا الخبر ، وسائر ما يرد من أخبار من طريق هذا الإسناد ، حتى وإن لم تناقض القرآن أو العقل أو نصوص ما صح في الخطوة الثالثة .
    2 ـ وإلا ، فإني أنتقل إلى الخطوة السادسة .
    الخطوة السادسة : فيها ديمة الحوار مع الإعذار
    ولا يحق لأحد فيها أن يثرِّب على آخر ؛ إذ لا يصل إلى هذه الخطوة من النصوص إلا نوافل أقوال فلا هي مخالفة لقرآن أو سنة ؛ فيعابَ على من يقبلها ويتهمَ بنقض القرآن والسنة ، ولا هي موافقة لهما فيعابَ على من يردها ويتهمَ بردهما ، ولا هي مخالفة للعقل ؛ فيعابَ على من يقبلها ويتهمَ بتعريض الدين لهزء العقلاء وطعن الملحدين .
    ثالثا : منهجي في فهم القرآن
    إنها لحقيقة غائبة عن جماهير علماء المسلمين ، ما أشبهها بالسهل الممتنع ، أن اللغة العربية التي ننطقها في ظل رقابة سياقات القرآن عليها وهيمنة دلالاتها على دلالات ما سواها ، هذه اللغة وتحت هذا الشرط أقوى دلالة في فهم معاني القرآن ، من دلالة أي خبر آحاد منسوب إلى النبي صلعم ، أو إلى الصحابة أو التابعين ، أو تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أولا : وسيلة فهم القرآن هي لسانه .
    أ ـ وحيث إنه لم ينزل بأي لسان وإنما بلسان عربي ، ولم ينزل بأي لسان عربي وإنما بلسان عربي مبين ؛ لقوله عز وجل : (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ) (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [26/الشعراء 192/195]) ، ولم ينزل بأي لسان عربي مبين وإنما بلسان محمد صلعم لقوله سبحانه وتعالى : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ [19/مريم97][44/الدخان58]) فإن وسيلتي هي فهمه بلسان محمد ، ولسان محمد واحد صلعم ، لا يجمع بين ما الحجازية والتميمية معا ، ولا ينصب المثنى بالياء تارة وبالألف تارة .
    ب ـ ومنهجي في فهم القرآن هو الاسترشاد بما يصحَّح عن النبي صلعم من تأويل القرآن والاستئناس بما يصحَّح عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بل وبكل ما ينسب إليهم مطلقا ، وبكل ما تحويه معاجم اللغة من بيان لمعاني الألفاظ ، وما تحويه قواعد النحو من إعراب وأوجه سياق وتركيب ، فأسترشد وأستأنس بكل ذلك في فهم القرآن .
    ج ـ ولكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ما يخالف سياقات القرآن
    1 ـ فإن أدى إلى ما يخالفها رددته ، حتى وإن كان خبرا في صحيح البخاري ، أو نحوا في كتاب سيبويه ، أو معنى في صحاح الجوهري ، وأقول حينئذ : أصاب السياق القرآني وأخطأ البخاري وسيبويه والجوهري
    2 ـ وكذلك أرد كل ما يؤدي إلى مخالفة يقينيات العقل ، أو إبطال وظيفة اللغة ، أو نسبة العبث إليها ، فلا أعتقد زيادة لفظ في القرآن بلا معنى ، ولا زيادة أو حذفا في القرآن يبطل وظيفة اللغة ، ووظيفة اللغة البيان ، فأنا أرد كل دعوى زيادة أو حذف في القرآن ، تسلب من اللغة وظيفة البيان ، وتلحق بها تهمة الإلباس .
    ـ فلا أقبل في قوله تعالى : (تَالله تَفْتَأُ [12/يوسف85]) قول القائلين : " إن معناها (تالله لا تفتأ) " ولا في قوله عز وجل : (لاَ أُقْسِمُ [56/الواقعة75] [69/الحاقة38] [70/المعارج40] [75/القيامة1/2] [81/التكوير15] [84/الانشقاق16] [90/البلد1]) قول القائلين : " إن (لا) ها هنا معناها النفي وإنها هنا زائدة " ولا في قوله عز وجل : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [21/الأنبياء105]) ، قول القائلين بأن المعنى : (من قبل الذكر) .
    إذ ماذا يتبقى من ثقة في وظيفة اللغة ، إذا نحن نطقنا الشيء وعنينا به ضده ، فنطقنا النفي وعنينا به الإثبات ، أو نطقنا الإثبات وعنينا به النفي ؟ .
    ثانيا : تحكيم ضوابط الثقة في ميراثنا اللغوي .
    ـ لقد نزل القرآن على سمع محمد لفظا ، ثم مر هذا اللفظ من سمعه إلى قلبه صلعم فصار معنى ، وتحوله من لفظ في سمعه إلى معنى في قلبه عملية ترجمة داخلية لألفاظه إلى معانيها ، وهي جهد بشري خالص لا علاقة له بجبريل ، وأصله معرفة سابقة على نزول القرآن ، معرفة بلسان العرب ، بدلالة كل لفظ مفرد على معنى له مفرد ، وبكيفية دلالة كل تركيب لفظي على تركيب له معنوي ، وهذا الجهد البشري يشترك فيه أبو لهب تبت يداه ومحمد صلى عليه الإله في علاه ، وإلا لما قامت للقرآن حجة على أمثال أبي لهب .
    إذن فقد نزل القرآن لفظا بفعل جبريل ، ثم تحول ولا يزال يتحول إلى معنى بفعلنا نحن البشر المتلقين ، بدءا من نبينا محمد صلعم وإلى أن يموت كل متحدث بالعربية تال للقرآن .
    وإذن فحين أنزل الله القرآن على سمع محمد لفظا فقد احتكم سبحانه إلى معرفتنا بدلالة ألفاظ القرآن المفردة على معانيها ، وبكيفية دلالة كل تركيب لفظي قرآني على تركيب له معنوي ، فلزمنا أن نحتكم نحن أيضا في فهمنا للقرآن إلى ما احتكم إليه سبحانه .
    فالميراث اللغوي الذي نحياه اليوم ألفاظا على ألسنتنا ومعاني في صدورنا سنة نبوية ؛ إذ نتحدث بنفس ألفاظ نبينا ونعني بتلك الألفاظ ما كان يعنيه صلعم ، ونفهم القرآن بتلك الوسيلة كما كان يفهمه ، فلغتنا سبيلنا إلى الوصول إلى معاني القرآن التي وصل إليها النبي صلعم قبلنا ؛ لأنها نفس اللغة ، نفس لغة النبي بألفاظها ومعانيها ، وكيفيات تراكيبها ، وكيفيات دلالات ألفاظها وتراكيبها على معانيها .
    قد يقال فما تقول في (قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ [البقرة97]) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ [الشعراء193/194]) وجوابه أن جبريل إنما أودع اللفظ في سمع محمد فقامت إدارة محمد الداخلية في المنطقة بين سمعه وقلبه بإيصال الوحي من سمعه إلى قلبه دون أي تدخل من جبريل ، وخلال نقلها الوحي من سمعه لفظا ترجمته في الطريق فوصل قلبه معنى ، وإنما قيل نزل جبريل بالقرآن على قلب محمد باعتبار أنه تسبب في ذلك حين أودعه في سمعه ، كما أدعي أني أرسلت رسالة إلى فلان وأنا إنما أودعتها في إدارة البريد التي قامت هي بإيصالها ، وإنما قلت : أرسلتها أنا باعتباري تسببت في ذلك حين أودعتها في إدارة البريد
    ـ وكي تبقى حجة القرآن حية يلزم أن تبقى معانيه حية ، وكي تبقى معانيه حية يلزم أن تبقى وسيلة فهم هذه المعاني حية ، ووسيلة فهم معاني القرآن هي عملية الترجمة داخل الإنسان لألفاظه إلى معانيها ، وإذن فكي تبقى معاني القرآن حية يلزم أن تبقى عملية الترجمة داخل الإنسان لألفاظه إلى معانيها حية ، وكي تبقى عملية الترجمة داخل الإنسان لألفاظ القرآن إلى معانيها حية يلزم بقاء جنس هذا الإنسان العربي حيا بدمه ولحمه ، حية على لسانه ألفاظ هذا القرآن وفي قلبه معانيها ، فحجة القرآن حية ما بقيت أمة العرب حية ، وهو حجة على العرب بألفاظه ، وعلى غيرهم بترجمتهم الصادقة لمعاني ألفاظه إلى لغات غيرهم
    ـ يلزمنا إذن أن نفهم القرآن من خلال عملية الترجمة داخلنا لألفاظه إلى معانيها .
    ـ سأستجيب فورا لما قفز الآن إلي خاطر القارئ ، وأقول :
    أ ـ لا جرم أن قلوبنا اليوم قد فقدت الكثير من المعاني القرآنية التي كانت في قلوب العرب إبان نزول القرآن ؛ بسبب انتشار العجمة بيننا ، وضعف حرصنا على تمام فقه لغتنا ، وإعراضنا عن ممارسة الفصحى في حياتنا
    لأجل ذلك نلجأ إلى معاجم اللغة وكتب النحو وكتب التفسير بحثا عن هذه المعاني المفقودة من صدورنا
    ب ـ ولا جرم أيضا أن بعض الألفاظ القرآنية الجارية على ألسنتنا اليوم مفرداتٍ وتراكيبَ لم تعد تنطبق تمام الانطباق على المعاني التي كانت منطبقة عليها في صدور العرب إبان نزول القرآن ؛ بسبب عوامل فساد ناشئ عن غفلة العرب عن تمام فقه لغتهم ، وعوامل إفساد ناشئ عن إلحاد الملحدين المحرفين للكلم عن مواضعه ، بما نسبوه كذبا إلى الألفاظ المفردة من معان باطلة مفردة ، وما نسبوه كذبا إلى التراكيب اللفظية من تراكيب باطلة معنوية ؛ ليفسدوا علينا ترجمتنا الداخلية من أسماعنا إلى قلوبنا لألفاظ القرآن إلى معانيه ، في سياق محاولاتهم إفساد الدين نفسه .
    لأجل ذلك نحتاج دوما إلى بسط رقابة شاملة من القرآن وهيمنة كاملة من سياقاته على كل المعاني المكنونة في صدورنا أو المسطورة في معاجمنا أو كتب نحونا ، بأن نعرض دوما على سياقات القرآن كل معنى في صدورنا أو في معاجمنا أو في كتب نحونا للفظ على ألسنتنا مفردا كان أو مركبا ، فإن سبب هذا المعنى تناقضا بين سياقات القرآن دل ذلك على بطلان هذا المعنى ، وعلى ضرورة نبذه ومحاولة إعادة استحياء المعنى الصحيح لهذا اللفظ من جديد ، من خلال استقراء سياقات القرآن .
    ج ـ فإن قيل فماذا عن المنسوب إلى النبي صلعم في تأويل القرآن ؟ فالجواب كما يلي
    1 ـ إن ما نسب إلى النبي صلعم من الأباطيل في الدين كثير كثير ، وهو بريء منه ، وعلى كثرة ما نسب إليه في الدين من أباطيل ـ بأبي هو وأمي ـ فإن ما نسب إليه يا للمفارقة في تأويل القرآن نادر ندرة الكبريت الأحمر ، ويدل على ذلك كتاب جامع البيان في تأويل القرآن للطبري وهو موسوعة ضمنها الطبري كل ما طالته يده من كتب سابقة في تأويل القرآن بأسانيده إلى مؤلفيها ، وقد قام أحد طلبة العلم بجمع المواضع التي نسب فيها التأويل إلى النبي صلعم في هذا الكتاب الموسوعي في مؤلف طبعه باسم الصحيح المسند من تفسير النبي صلعم فكانت مواضع نادرة ضمنها كراسة لطيفة قال في تقدمتها أخونا الشيخ مصطفى العدوي : (هذا ولأن الآيات التي فسرها النبي صلعم آيات معدودة فقد جاء هذا الكتاب صغيرا في حجمه) . هذا كل ما وصف به الشيخ مصطفى العدوي حجم الكتاب الجامع للأحاديث المنسوبة إلى النبي صلعم في تفسير آيات القرآن .
    ثم إن ما صحح مما نسب إلى النبي صلعم منصوصا على أنه من تأويل القرآن لا يوثق في تصحيحه ؛ لأن البخاري ومسلما نفسيهما كانا متساهلين في نقد أسانيد المتون المتعلقة بتأويل القرآن .
    هذه شهادة شهد بها خبيران ، قضيا جل العمر ، في أعماق أصول مصطلح الحديث ، وبحار علوم الجرح والتعديل ، وبعد تحقيقهما تهذيبَ الكمال ، أعظمَ موسوعة في علم الرجال
    قال شعيب الأرنؤوط وبشار معروف في تحرير تقريب التهذيب 1/29 في شأن البخاري ومسلم : (ونستخلص مما تقدم ومما عرفناه بالاستقراء ، أنهما انتقيا من رواية بعض المتكلم فيهم أحاديث يعلمان أنهم قد حفظوها ، وهي غالبا في غير الحلال والحرام ، كالتفسير و . . .) اهـ ما قالاه .
    إن في جامع البخاري أخبارا في كتاب التفسير به ، منها خبر ، لو صدقناه ، والعياذ بالله ، لكذبنا القرآن! .
    ففي جامع البخاري [ 04944 ] حدثنا عمر حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ علىَّ قراءة عبد الله قال كلنا قال فأيكم أحفظ فأشار إلى علقمة قال كيف سمعته يقرأ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) قال علقمة (والذَّكَرِ وَالْأُنثَى) قال أشهد أني سمعت النبي صلعم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [92/الليل3]) والله لا أتابعهم .
    قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لجامع ابن حبان 14/238 :
    قد رد أبو بكر الأنباري فيما نقله عنه القرطبي 20/81 قراءة ابن مسعود هذه (والذَّكَرِ وَالْأُنثَى) بأن حمزة وعاصما يرويان عن عبد الله بن مسعود ما عليه إجماع المسلمين ، والبناء على سند يوافق الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالف الإجماع والأمة ، وما يبنى على رواية واحد ، إذا حاذاه رواية جماعة تخالفه ، أخذ برواية الجماعة وأبطل نقل الواحد ، لما يجوز عليه من النسيان والإغفال .
    ولو صح الحديث عن أبي الدرداء ، وكان إسناده مقبولا معروفا ، ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة يخالفونه ، لكان الحكم العمل بما روته الجماعة ورفض ما يحكيه الواحد المنفرد الذي يسرع إليه من النسيان ، ما لا يسرع إلى الجماعة وجميع أهل الملة .
    وقال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن ص1942 بعد أن أورد حديث أبي الدرداء هذا : هذا مما لا يلتفت إليه بشر ، إنما المعوَّل على ما في المصحف ، فلا تجوز مخالفته لأحد .
    وقال أبو حيان في البحر المحيط 8/483 : وما ثبت في الحديث من قراءة (والذَّكَر وَالْأُنثَى) مخالف للسواد ، فلا يعد قرآنا .
    وقال الحافظ في الفتح 8/578 : وهذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ، ومن عداهم قرأوا (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى) وعليها استقر الأمر ، مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه .
    والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة . ثم لم يقرأ بها أحد منهم ، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا
    قلت قديما : التقطت هذا الخبر من نحو ستين موضعا في ستة عشر من أمهات الكتب الحديثية ، فوجدته في كل هذه المواضع يدور على طريقين :
    أحدهما : عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد النخعي ، عن علقمة .
    والآخر : عن قتادة بن دعامـة السدوسي ، عن إبراهيم بن يزيد النخعي ، عن علقمة .
    وكل من الأعمش وقتادة وإبراهيم مدلس ، ولم يصرح أي منهم ، بأي سماع ، في أي موضع من هذه المواضع .
    ولو كان البخاري قد طبق على هذا الخبر ، القاعدة الحقة ، التي قررها الشافعي وحررها الخطيب ، فيمن عرفناه دلس مرة ، لما تورط في تصحيح هذا الخبر .
    قال شعيب الأرنؤوط وبشار معروف في تحرير تقريب التهذيب 1/29 في شأن البخاري ومسلم : (ونستخلص مما تقدم ومما عرفناه بالاستقراء ، أنهما انتقيا من رواية بعض المتكلم فيهم أحاديث يعلمان أنهم قد حفظوها ، وهي غالبا في غير الحلال والحرام ، كالتفسير و . . .) اهـ ما قالاه .
    قلت : فكيف علم البخاري ومسلم أن هؤلاء المتكلم فيهم [ أي المجروحين ] قد حفظوا هذه الروايات في التفسير ؟! . وكيف عرف شعيب وبشار أنهما علما أنهم حفظوها ؟! . أين البرهان الذي دلهما على أنهما علما أنهم حفظوها ؟! . ويا ليت شعري أي شيء أحق بالتحرير والاحتياط من أسانيد تأويل القرآن ؟! . وإذا كان التساهل شأن البخاري ومسلم مع القرآن وتأويله ، فكيف من دونهما ؟! . وكيف هما ومن دونهما مع ما دون القرآن ؟ !
    كان هذا قبل اعتقالي في مصر في 28/5/2003م
    أما بعده فقد وجدت في 2/5/2009 لخبر الذكر والأنثى طرقا أخرى هي :
    ـ مُغيرة بن مِقْسمَ الضّبيّ عن إبراهيم النخعي عن علقمة (05)
    ـ وداود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة (06)
    ـ وسفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة (07)
    ـ وحاتم بن وَرْدان قال حدثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة (08)
    ـ وعيسى بن قرطاس عن إبراهيم عن علقمة (09)
    وعيسى بن قرطاس متروك الحديث ليس بثقة كما في الكامل في الضعفاء لابن عدي}[01397]
    وحاتم بن وردان مجهول جهالة عين لم أجد له ذكرا .
    وكل من مغيرة وداود وسفيان وإبراهيم والشعبي مدلس (10) (11) (12) (13) ، ولم يصرح أي منهم ، بأي سماع ، في أي موضع من هذه المواضع .
    إنما هو موضع واحد (14) شذ فيه أبو داود الطيالسي وخالف من هم أكثر وأوثق منه فجعل إبراهيم النخعي مصرحا بالسماع بل ولا يصح إسناده أصلا إلى إبراهيم ؛ ففيه المغيرة بن مقسم الضبي وهو مدلس معنعن .
    وإنما هي مواضع ثلاثة (15) حفص بن عمر الحوضي في أحدها ومحمد بن جعفر في الثاني وهشام بن عبد الملك في الثالث ثلاثتهم جعلوا المغيرة مصرحا بالسماع شاذين عمن جعلوه معنعنا وهم أكثر وأوثق ، وحتى لو صح جعله مصرحا بالسماع من إبراهيم فإبراهيم في المواضع الثلاثة مدلس معنعن .
    2 ـ إن ما كان يعلمه النبي من تأويل للقرآن هو ما كان الصحابة يعلمونه ؛ وذلك لأن الألفاظ التي كانت تجري على لسانه هي ذات الألفاظ التي كانت تجري على ألسنتهم ، والمعاني التي كانت مستقرة في قلبه هي ذات المعاني التي كانت مستقرة في قلوبهم ، ودلالة ما ينطقه لسانه على ما يعيه قلبه هي ذات دلالة ما تنطقه ألسنتهم على ما تعيه قلوبهم ، وكما كان القرآن ينزل على سمعه لفظا كان ينزل على أسماعهم ، وكما كان يمر هذا اللفظ من سمعه إلى قلبه صلعم ليصير معنى كان يمر من أسماعهم إلى قلوبهم ، وبالتالي كما كانت تتم عملية الترجمة داخله لألفاظه إلى معانيها كانت تتم عملية الترجمة داخلهم لذات الألفاظ إلى ذات معانيها ، وبالتالي لم يكن هناك ما يمنعهم من أن تنتج عملية الترجمة الداخلية في صدورهم من معنى ما أنتجته عملية الترجمة الداخلية في صدره صلعم من معنى ، إلا أن يكون مما قال الله فيه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء83]) وهو نادر ، وقد نصت الآية على أن العلم به مشترك بين النبي وبين غيره وليس مقصورا على النبي وحده بأبي هو وأمي .
    3 ـ إن ما كان يعلمه النبي من تأويل للقرآن هو ما كان أبو لهب سيعلمه لو تدبر القرآن ؛ وذلك لأن الألفاظ التي كانت تجري على لسانه هي ذات الألفاظ التي كانت تجري على لسانه ، والمعاني التي كانت مستقرة في قلبه هي ذات المعاني التي كانت مستقرة في قلبه ، ودلالة ما ينطقه لسانه على ما يعيه قلبه هي ذات دلالة ما ينطقه لسانه على ما يعيه قلبه ، وكما كان القرآن ينزل على سمعه لفظا كان ينزل على سمعه ، وكما كان يمر هذا اللفظ من سمعه إلى قلبه صلعم ليصير معنى كان يمر من سمعه إلى قلبه ، وبالتالي كما كانت تتم عملية الترجمة داخله لألفاظه إلى معانيها كانت ستتم عملية الترجمة داخله لذات الألفاظ إلى ذات معانيها ، وبالتالي لم يكن هناك ما يمنع أبا لهب لو تدبر من أن تنتج عملية الترجمة الداخلية في قلبه من معنى ما أنتجته عملية الترجمة الداخلية في قلب النبي صلعم من معنى ، إلا أن يكون مما قال الله فيه (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء83]) وهو نادر ، وقد نصت الآية على أن العلم به مشترك بين النبي وبين غيره ، وليس مقصورا على النبي وحده . إن خصومة أبي لهب للنبي نشأت عن إعراضه عن تدبر آيات الله لا عن استعجامه دلالة ألفاظ القرآن على معانيه
    4 ـ لقد كانت حياة النبي كلها تأويلا للقرآن ، تطبيقا عمليا لنصوص القرآن ؛ ولكن لا هو صلعم ولا الصحابة رضعنهم احتاجوا أن يقولوا : فعله كذا هو تأويل لمعنى الآية كذا وفعله كذا هو تأويل لمعنى الآية كذا ؛ لعدم حاجتهم إلى ذكر ذلك لشدة وضوحه ، ومما يدل على شدة وضوح نشوء تصرفات النبي الدينية عن نصوص القرآن أن أوامر القرآن للنبي صريحة باتباع القرآن ، وصريحة بالثناء عليه ، فهي صريحة بالتالي بالشهادة له بطاعة أمر الله له باتباع القرآن
    د ـ وأما ما ينسب من تأويل القرآن إلى الصحابة والتابعين وسائر العلماء سلفا وخلفا فهو أصل زادي الذي منه أنهل وعنه أصدر وعليه أبني إلى أن أعرضه كلما استطعت على سياقات القرآن ، فما انسجمت معه تمسكت به ، وما تناقضت به نبذته واتبعت ما هو أهدى منه من خلال استقراء سياقات القرآن من جديد
    حقا إنها لحقيقة غائبة عن جماهير علماء المسلمين ، ما أشبهها بالسهل الممتنع ، أن اللغة العربية التي ننطقها في ظل رقابة سياقات القرآن عليها وهيمنة دلالاتها على دلالات ما سواها ، هذه اللغة وتحت هذا الشرط أقوى دلالة في فهم معاني القرآن ، من دلالة أي خبر آحاد منسوب إلى النبي صلعم ، أو إلى الصحابة أو التابعين ، أو تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
    رابعا : المشكلات الأصولية
    أ ـ القرآن الكريم في ظلال المأثور
    قرأت القرآن الكريم في ظلال المأثور من التأويل كما يفعل الجمهور فوجدت اختلافا كثيرا ، فلما اعتزلت تلك الظلال وقرأته في محض إطاره اللغوي وسياقه التكاملي وجدته لا يختلف أبدا ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلما راجعت تلك الآثار التي صدتني قديما عن حقائق القرآن وجدت المشهورين بالإمامة في العلم يصححون بعضها ، فلما راجعت أصول التصحيح وقواعده فوجئت بهم يختلفون فيها كثيرا ، فحاك في صدري أن هذا الاختلاف في الأصول ربما يكون هو الذي أثمر ذلك التناقض في الفروع .
    ب ـ التجاوزات والتناقضات
    أحبار الإسلام مختلفون في أكثر فروع الأحكام الشرعية ؛ وذلك لأنهم مختلفون في أصول تلك الفروع ، فما كان من تلك الأصول نصوصا منسوبة إلى الرسول صلعم فإن أكثر اختلافهم فيها ناشئ عن اختلافهم في صحة ثبوتها ، وما كان منها نصوصا قرآنية فإن اختلافهم فيها ناشئ عن اختلافهم في معناها ، وأكثر اختلافهم في معناها ناشئ عن آثار متناقضة في تأويلها منسوبة إلى الرسول أو إلي صحابته أو تابعيهم ، يجعلونها أصولا لفهم القرآن ، ثم يختلفون في صحة ثبوتها ، فيختلفون تبعا لذلك في تأويل معاني القرآن ، واختلافهم في صحة الثبوت ناشئ عن اختلافهم في القواعد أو في تطبيق ما اتفقوا عليه من قواعد ، قواعد التصحيح والتضعيف ، وما فيها من شرائط التوثيق والاتصال ، توثيق رواة الآثار وسماعهم الآثار بعضهم عن بعض .
    1- فهم في التوثيق مختلفون ، بين مكتف بما يسمى السبر كالجمهور ، وبين غير مكتف به بل يشترط شهادة المعاصر كابن القطان (16) .
    فما يصح عند الجمهور مكتفين بالسبر لا يصح عند ابن القطان ، لأنه لا يكتفي به بل يشترط شهادة المعاصر .
    2- وهم في الاتصال مختلفون ، بين مكتف بثبوت المعاصرة كمسلم ، وبين غير مكتف بها بل يشترط ثبوت اللقيا كابن المديني وتبعا له تلميذه البخاري ، وبين غير مكتف لا بالمعاصرة ولا باللقيا بل يشترط ثبوت السماع كأحمد وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين (17) .
    فما يصح عند مسلم مكتفيا بالمعاصرة ، لا يصح عند ابن المديني وتبعا له تلميذه البخاري لأنهما لا يكتفيان بالمعاصرة ، بل يشترطان ثبوت اللقيا ، وما يصح عند مسلم مكتفيا بالمعاصرة ، وابن المديني وتبعا له تلميذه البخاري مكتفيين باللقيا لا يصح عند أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين ؛ لأنهم لا يكتفون بالمعاصرة ولا باللقيا بل يشترطون ثبوت السماع .
    3- وهم في التدليس مختلفون ، بين منضبط لا يقبل ما لم يصرح بسماعه من دلس مرة كالشافعي والخطيب البغدادي (18) وبين متساهل يقبل رواية بعض المدلسين وإن لم يصرحوا بالسماع وهم الجمهور وفيهم ابن المديني والبخاري ، بل وبين مبالغ في زماننا في التساهل ، فلا يرد عنعنات المدلس ، إلا في روايته عمن ثبت تدليسه عنه ، كشعيب الأرنؤوط وبشار معروف (19) .
    فما يصح عندهما لا يصح عند الجمهور وفيهم ابن المديني والبخاري ، وما يصح عند الجمهور وفيهم ابن المديني والبخاري ، لا يصح عند الشافعي والخطيب لاشتراطهما التصريح بالسماع إذا دلس الراوي وإن مرة واحدة .
    4- وهم في الإرسال مختلفون ، بين مبطل له مطلقا كأبي إسحاق الإسفرائيني وآخرين ، وبين مصحح لمراسيل الصحابة فقط كالجمهور وفيهم الشافعي والبخاري ، وبين مصحح لمراسيل الصحابة وكبار التابعين فقط كما حكى ابن عبد البر ، وبين مصحح لمراسيل الصحابة والتابعين كلهم كبارهم وصغارهم كمالك وأحمد وآخرين ، وبين مصحح لمراسيل الصحابة والتابعين وتابعيهم كعيسى بن أبان وأبي بكر الرازي وآخرين ، وبين مصحح له مطلقا عن كل أحد كأبي حنيفة وابن جرير صاحب التفسير وآخرين (20) .
    فما يصح عند أبي حنيفة وابن جرير لا يصح عند عيسى وأبي بكر .
    وما يصح عند عيسى وأبي بكر والمذكورَيْن قبلهما لا يصح عند مالك وأحمد .
    وما يصح عند مالك وأحمد وكل المذكورينَ قبلهما لا يصح عند من حكى عنهم ابن عبد البر .
    وما يصح عندهم وعند كل المذكورين قبلهم لا يصح عند الجمهور وفيهم الشافعي والبخاري .
    وما يصح عند الجمهور وفيهم الشافعي والبخاري وعند كل المذكورين قبلهم لا يصح عند أبي إسحاق وابن القطان (21) .
    5- وهم في شروط الصحبة مختلفون ، بين مكتف بساعة واحدة من ليل أو نهار وهم الجمهور وفيهم علي بن المديني وتبعا له تلميذه البخاري ، وبين غير مكتف بذلك بل يشترط الصحبة العرفية كعاصم الأحول ، أو سنة فصاعدا أو غزوة فصاعدا كسعيد بن المسيب (22) .
    فمن يكون صحابيا وبالتالي ثقة عند الجمهور وفيهم علي بن المديني وتبعا له تلميذه البخاري لا يكون كذلك عند عاصم الأحول وسعيد بن المسيب ، بل يكون مجهولا عندهما وبالتالي غير ثقة .
    ج ـ شروط تشترط ثم لا تلتزم
    إنهم يشترطون ألا يكون الراوي مجهولا ثم يصححون روايات المجهولين ، ويشترطون ألا يكون الراوي مجروحا ثم يصححون روايات المجروحين ، ويشترطون أن يصرح المدلس بالسماع ثم يقبلون عنعنات المدلسين .
    1- أما تصحيحهم روايات المجهولين ، فإنه إذا جاءنا الخبر عن رأس المتقين أبي بكر الصديق ثم جاءنا ذات الخبر عن رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ ، وجب طرح رواية ذاك المنافق والاستغناء عنها برواية الصديق . لكنهم يصححون الرواية عن المجهول وقد يكون منافقا ، فإذا سألت عن السبب قيل : (لأنها وافقت رواية الصديق أو من هو كالصديق) فإن قلت : (أفلا استغنينا برواية هذا الصديق عن رواية ذاك المجهول) لم تجد جوابا .
    وأعجب من ذلك حال متـأخريهم ؛ إذ يصححون الرواية عن المجهول وقد يكون منافقا فإذا سألت عن السبب قالوا : (لأنها وافقت رواية صديق) . فإن قلت : (فأين هي رواية هذا الصديق ؟) لم يجدوا حجة إلا أن يقولوا : (لا ندري ، ولكن قد صحح سلفنا هذه الرواية وإنا على آثارهم مقتدون) . فإن قلت : (أولو كنتم لا تعلمون كيف صححوها ولا دليل تصحيحهم لها) قال لسان حالهم : (نعم) .
    2- وأما تصحيحهم روايات المجروحين ، فإنه كما قد تحرر عن الجمهور ، إذا اجتمع في راو جرح وتعديل وجب تقديم الجرح ، إذا كان المجرحون من أهل العلم بهذا الشأن ، حتى وإن لم يبينوا للجرح سببا ، وكانوا أقل من المعدلين عددا (23) ، وذلك أن حقيقة التعديل : (لا نعلم شرا) بينما حقيقة التجريح : (نعلم شرا) ومن علم حجة على من لم يعلم ، فالمجرحون يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر ، ويقولون عندنا زيادة علم لم تعلموها من باطن الأمر ، لكن الجمهور يقررون ، ثم يخالفون عمليا ما يقررونه ، إذ يؤخرون الجرح إن لم يفسر ، فيقدمون عليه التعديل وإن لم يفسر .
    3- وأما قبولهم عنعنات المدلسين ، فإن من ارتيب فيه وجب الاحتياط منه ، وبذلك يقول الجمهور ، فمن كذب مرة توقفنا في سائر كلامه لاحتمال كذبه فيه ، وبذلك يقول الجمهور ، ومن دلس مرة توقفنا في سائر عنعناته كما قرر الشافعي (24) والخطيب (25) لاحتماله تدليسه فيها ، وبذلك كان ينبغي أن يقول الجمهور ؛ لكنهم لم يقولوا ، بل قبلوا عنعنات بعض المدلسين في كل الكتب ، بل وعنعنات كل المدلسين في بعض الكتب ، وهذا تفريق تعسفي بين أمثلة القاعدة الواحدة لا دليل عليه .
    د ـ التجاوزات في البخاري ومسلم
    إن في البخاري ومسلم ـ بله غيرهما ـ رواة كثيرين لا نعلم أحدا نص على توثيقهم من معاصريهم (26) ، وفيهما أيضا أسانيد تـدور على رواة مدلسين غير مصرحين فيها بسماع (27) .
    لكن الجمهور يؤكدون وجود طرق أخرى لها ، مصرح فيها بالسماع خارج البخاري ومسلم .
    والتحقيق أن متون هؤلاء المجهولين إن كانت صحيحه حقا ، بأن كانت موافقة لمتابعات أو شواهد صحيحة خارج البخاري ومسلم حقا ، وكانت ذكرا وعد الله بحفظه حقا ، فلا بد أن تلك المتابعات أو الشواهد محفوظة بحفظه سبحانه وتعالى ، كما أن تلك الأسانيد الدائرة على مدلسين لم يصرحوا بالسماع فيها في البخاري ومسلم إن كانت متصلة حقا ، بأن كانت لها طرق أخرى صحيحة صرح هؤلاء المدلسون بالسماع فيها خارج البخاري ومسلم حقا ، وكانت متونها ذكرا وعد الله بحفظه حقا ، فلابد أن تلك الطرق الصحيحة والتصريحات بالسماع محفوظة بحفظه سبحانه وتعالى .
    وإذا كان الأمر كذلك ، فإن العلماء وطلبة العلم يلزمهم البحث عن هذه الطرق والتصريحات وتلك الشواهد والمتابعات ، لئلا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة ، فيقولوا : يا ربنا إن الذي كان يأمرنا وينهانا إنما هي متون لا أزمة لها ولا خطم ، في كتابين سمعنا الناس يقلد بعضهم بعضا في دعوى التلقي لهما بالقبول ، فكيف يا ربنا تتلقى الأمة بالقبول روايات المجهولين وعنعنات المدلسين ؟ .
    إن بعضنا يستعظم التصريح مطلقا ، وبعضنا يستعظم التصريح بين العوام بوجود الضعيف في البخاري ومسلم ، مخافة الجراءة على الآثار ، وتمهيد الذرائع إلى الشك فيها ، وتأدية ذلك إلى ما يخشونه من ريبة في الدين .
    ولعل هذا هو ذاته سبب إعراض علماء الآثار ، عن إشاعة دراسة أصول الخلاف بين المذاهب في التجريح والتعديل ونعت الصحابة ، وفي تحقيق السماع والاتصال ، فلا يحرر الكثير من طلبة علم الحديث الفرق بين التوثيق بالشهادة والتوثيق بالسبر ، بل ولا يعرف أكثرهم أن هناك فرقا أصلا ، ولا يحررون أصول مذهب من يكتفي بالمعاصرة من مذهب من يشترط اللقيا من مذهب من يشترط ثبوت السماع ، ولا مذهب من يعتبر بالتدليس بمرة من مذهب من لا يعتبر به ، ولا تعريفا لمعنى الصحبة يميزون به أمثال أبي بكر الصديق من أمثال عبد الله بن أُبي .
    إنهم يميلون جيلا بعد جيل إلى التساهل ثم إلى مزيده في النقد ، مغترين بما زين في القلوب من الرغبة في تكثير النصوص ، يظنون أن الهداية معيارها محض الكثرة ، ولا سلف لهم فيما زين لهم في قلوبهم إلا من قالوا لموسى قبلهم : (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ [02/البقرة68]) (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا [02/البقرة69]) (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا [02/البقرة70]) .
    فلا نامت أعين الغافلين والمقلدين المتعصبين ، الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وقالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، ولو جاءهم أهدى مما وجدوا عليه آباءهم .
    هـ ـ آمال وآلام
    هكذا بدا لي الجمهور خلفا عن سلف ، قد اصطلحوا على تجاوزات في قواعد العلم ، تحق أباطيل وتبطل حقائق ، لا سيما في قواعد تصحيح الأخبار ، فنسبوا إلى الرسول الكريم من الأقوال ما لم يقله ، وإلى صحابته الكرام من الروايات ما لم ينقلوه ، وإلى الكتاب الكريم من المعاني ما لا يحتمله ، فتكدر من صفوه ما تكدر ولا يزال ، وتغشى من اليقين بهداه ومن الثقة بسماحته ما تغشى ولا يزال ، فهم يوثقون حتى المجهولين ، ويقبلون حتى عنعنات المدلسين ، ويشترطون لإفادة التواتر اليقين شرطا ، ثم يقطعون باليقينية حتى وإن تخلف الشرط ، ولا يشترطون في رواة المتواتر عدالة ، بل ولا إسلاما (28) ، ويشترطون لصحة الخبر ألا يناقض القرآن ، ثم يصححون أخبارا رغم مناقضتها للقرآن ، بل وينقضون بها القرآن نقضا ، ويسمون ذلك النقض تخصيصا أو تقييدا أو نسخا .
    إنه لا يحل لمن ظهر له راجح أمر أن يقلد غيره في مرجوحه ، لا صحابيا في قول ، ولا فقيها في فتوى ، ولا محدثا في تصحيح أو تضعيف ، وإن يكن ابن عباس أو الشافعي أو سيبويه أو البخاري .
    لقد بدا ما إن كان حقا لزمنا اتباعه ، وإن كان باطلا لزمنا إبطاله ، ولم يسعنا تجاهله حتى نبطله .
    بدا أن الجمهور يوثقون الرواة توثيقا مطلقا بالسبر الجزئي ، ويوثقون كل معدود في الصحابة ، مع تسويتهم في تعريف الصحابي بين أبي بكر الصديق رأس المتقين وعبد الله بن أُبي رأس المنافقين ، ويفرقون بين من دلس مرة ومن دلس مرارا ، وهذا فيما أرى أعظم أسباب فساد العلم ، وفرقة الأمة وتشويه الدين .
    فيا طوبى لعبد نصوح دلني على الصحيح بدليله اليوم ، أو تصبر حتى يهيئ الله أسباب اكتمال موسوعة الإنقاذ والحسم غدا .
    و ـ التأصيل ضرورة دينية : ضرورة فحص القواعد من جديد
    أومن أن الدين كتاب الله وسنة رسوله ، كان ولا يزال ، وأنه كان حياة صحابة أبرار في ظل مرجعية رسول حي ، ورقابة وحي ماثل ، وأنه كان في حياة الرسول قال الله وقال الرسول ، فلم يكن للزيف مجال ؛ لوعي الصحابة ومرجعية الرسول ورقابة الوحي .
    لكنه صار بعد وفاة رسول الله وانقطاع رقابة الوحي قال الله وقال فلان عن فلان عن الرسول ، وقد ذهبت كل ضمانات التثبت مما ينسب إلى الرسول ، ولم يبق منها سوى ضمانة واحدة ، هي وعي الأمة .
    فلما غفلت الأمة عن وعيها ، تفرقت شذر مذر ، واقتتلت في صفين ، وانكسر الباب للكذابين من مردة الملحدين ، وللوضاعين من جهلة العابدين ، فتهيأت الظروف أو هيئت ، فهبت حملة إلحاد منتظمة وواسعة فيما أرى ، وكان هجيراها وشغلها الشاغل إفساد الدين وتحريف الوحي ، فدست على ألفاظ القرآن من المعاني ما لا يحتمل ، وزيفت على الرسول من الأقوال والأفعال ما لم يقل وما لم يفعل .
    ويبدو أنها كانت عظيمة الدهاء ، فاحتاطت من يوم تعاود فيه الأمة وعيها ، فلم تكتف بما زيفته من معان وأقوال وأفعال ، بل أوحت إلى أهل العقول ، فاعتنقوا في الفهم أصولا باطلة ، وابتدعوا في الدين قواعد خاطئة ، تحمي ما اختلقته تلك الحملة ، وتزكي ما زيفته ، من : (قال فلان عن فلان عن الرسول) وهم لا يشعرون .
    لقد غفلت الأمة فتهيأت الظروف ، فأمكن اختلاق الكثير من قال فلان عن فلان عن الرسول بعيدا عن رقابة الأمة ، إذا لا رقابة بلا تعاون ، وقد عصف بالتعاون حرب أهلية غيبت وعيها ، فانقسمت إلى شقين في عصر الصحابة ، ثم إلى أكثر من ذلك بعد ذلك ، حتى صار المسلمون شيعا وأحزابا ، كل حزب بما لديهم فرحون ، يستهوي كلَّ حزب كلُّ خبر ينصره ، وإن بطلت نسبته إلى الرسول .
    وكان وراء كل ذلك ونحن غافلون آخرون ، يلحدون في آيات الله ، يبغونها عوجا ، يضاهئون قول من قال الله فيهم : ْ (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ [04/النساء46]) ، (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانا وَكُفْرا [05/المائدة64،68]) ، ومن قال الله فيهم (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء [04/النساء89]) ومن قال الله فيهم (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا [02/البقرة217])
    أفيقاتلوننا حتى يردونا عن ديننا إن استطاعوا بينما يتكاسلون عما هو أهون ؟ ! عن إفساد ديننا إن استطاعوا ؟ ! .
    إني لأنحني إجلالا لجهود جليلة ومخلصة ، بذلت طوال قرون سالفة ، في محاولات إصلاح ما أفسدته تلك الحملة المفسدة ، وافتراه أولئك الملحدون المردة ، بيد أني أظن أن بعض ما دسه هؤلاء لا يزال رغم جهود المصلحين باقيا ، يشيع فتنه وينفث سمومه ، لا تزال حية خميرته التي أنتجته ، وأصوله التي أثمرته ، ومن هذه الأصول وتلك الخميرة لا يزال ينبع ما نعانيه من أسباب الضلال ولهيب الفتن ، ولكن أكثر دعاة العنف ومكافحي العنف بالعنف لا يعلمون .
    يكاد فؤادي يطير فزعا مما أبوح به ، لكني مضطر إلى البوح نصحا ، متمنيا بكل الصدق والإخلاص أن أكون مخطئا ، فمن كان ذا طب ويراني عليلا فدونه فليطببني .
    ولكن لا يكتفي من تطبيبه لي بإحالتي إلى أقوال الرجال ، قال ابن عباس ، قال الشافعي ، قال البخاري ؛ بل يجيبني بما كان سيجيبني به هؤلاء رحمهم الله ، لو كانوا أحياء يرزقون ، بالحكم مقترنا بالدليل ، بدليل وجهة ما استنبطوه من فقه ، وما أوجبوه من أمر ، وما صححوه من خبر .
    إني لأخشى حتى على أصول العلم كلها ، في تأويل القرآن ، وأصول اللغة والفقه ، ومصطلح الحديث ، وما فيه من قواعد السماع والجرح والتعديل ، وطرق التثبت من صحة الآثار ، أخشى أن يكون محرفو الكلم عن مواضعه قد دسوا فيها ما يحمي ما دسوه من : (قال فلان عن فلان عن الرسول) من أن يكتشف زيفه ، كي يبقى ما فرعوه بالباطل مستمدا شرعية زائفة مما أصلوه بالباطل ، ونحن عن كل هذا الدس غافلون ، بل وعنه مدافعون ودونه ذائدون ، نبني عليه ولاءنا وبراءنا ، ونستحل به حتى دماء غيرنا .
    أخشى أن يكون ذلك كذلك ، وأن يكون هو ال

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 11:59 pm